وقد شرع الإسلام زكاة الفطر، وهي كما يعرفها الفقهاء، شرعا، صدقة مقدرة عن كل مسلم قبل صلاة عيد الفطر في مصارف معينة، عند اكتمال شهر رمضان، وهي لذلك صدقة مجمع عليها من أئمة الشريعة، ومعلومة من الدين بالضرورة لدى عامة أمة الإسلام، رعاها الخلف عن السلف، وحافظ عليها جيلا بعد جيل.
فالزكاة، الركن الثالث من أركان الإسلام، تضطلع، في مفهومها العام، بدور اجتماعي كبير، إذ تعتبر عملية لتصحيح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ العقيدة الإسلامية في النفوس. وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والفعلية سائر الأحكام المتعلقة بها، فبي ن وقتها وحكمها، ومقدارها وحكمتها، وما تؤدى منه من أنواع الطعام وأقواته، ومن تجب عليه من أفراد أمته عليه الصلاة والسلام، كما تنص عليه الأحاديث الصحيحة.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ الناجي لمين، أستاذ التعليم العالي بمؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط، وعضو المجلس العلمي المحلي بالرباط، في إضاءات خص بها وكالة المغرب العربي للأنباء، أن لزكاة الفطر في الإسلام معنى تضامنيا عظيما، فبقدر ما تشعر المسلم بمسؤوليته الأسرية فإنها تشعره بمسؤوليته الاجتماعية كذلك تجاه الفقراء والمساكين.
فقد شرع الله سبحانه، عند الانتهاء من عبادة صيام شهر رمضان، عبادات أخرى، شكرا لله، منها إخراج صدقة الفطر وتسمى زكاة الفطر أو زكاة الأبدان، وما يخرجه المسلم فيها يسمى "الفطرة".
وقد سميت بزكاة الفطر أو زكاة الأبدان، يقول الأستاذ لمين، لأن وجوبها بسبب الفطر شكرا لله، ولأنها تتعلق بالبدن تزكيه وتطهره من اللغو والرفث، وما ارتكبه الصائم أثناء صيامه من بعض المنهيات، مضيفا أن هناك مقصدا آخر، وهي أن زكاة الفطر طعمة للمساكين، خالصة لهم، يفرحون بها يوم العيد، فتعفيهم مؤنة السؤال، يسعون بها على أنفسهم وأولادهم.
وبخصوص مسألة إخراج زكاة الفطر بالقيمة نقدا، فقد اختلف فيها الفقه على رأيين، تبعا لاختلاف النظر إلى دلالة نصوص السنة على كيفية إخراجها بالطعام كيلا، أو إلى الحكمة من تشريعها. فالرأي الأول يرى أنه يتعين أداؤها صاعا من أحد أنواع الطعام المذكورة في الأحاديث، أو غيرها مما يكون غالب قوت أهل البلد الذي يقطنه الصائم، أو قوت المزكي وأهله، أو ما يعادله وزنا، ولا يجوز عنده إخراجها بالقيمة نقودا.
فيما يذهب الرأي الثاني إلى جواز إخراجها بالقيمة نقدا، وهو رأي قال به بعض علماء التابعين ومن بعدهم؛ وذلك نظرا منهم إلى المقصد الشرعي من إيجابها على الكبير والصغير من المسلمين، وهو إغناء الفقراء والمساكين بها عن الطواف على الناس وسؤالهم ما يقتاتونه من طعام في ذلك اليوم، وإدخال السرور عليهم بها، كما يدل عليه حديث شريف " أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم".
وفي هذا السياق، بين الأستاذ لمين أن مقدار زكاة الفطر هو صاع من غالب قوت البلد، والصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، ومقدار ه (كيل و غرامان ونصف) من قمح أو شعير أو دقيق ... مبرزا أن المجلس العلمي الأعلى قدر قيمتها نقدا هذه السنة ب15 درهما، موردا قوله تعالى "ومن تطوع خيرا فهو خير له".
وأشار إلى أنها واجبة على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، فالصغير إذا لم يكن عنده مال يخر جها عنه أبوه، وكذلك الشخص يخرج زكاة الفطر عن زوجته، وعن والديه إن كانا فقيرين، وعن زوجة أبيه إن كانت فقيرة، ويجوز للزوجة أن تدفع زكاة الفطر لزوجها الفقير، أما الرجل الذي ليس عنده إلا قوت يوم العيد فلا تجب عليه.
وأكد أن إخراج زكاة الفطر واجبة بعموم آيات الزكاة الواردة في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي الشريف، مضيفا أن وقت إخراجها هو يوم العيد، قبل الخروج إلى الصلاة. ومن أخرجها قبل العيد بيومين أو ثلاثة فلا بأس. ومن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات فقط، وإن تعمد تأخيرها أثم.
وتدفع زكاة الفطر، يضيف الأستاذ لمين، للفقراء من المسلمين، ولأقارب المزكي الفقراء الذين لا تلزمه نفقتهم، فهي في حق هم صدقة وصلة، ويجوز أن تعطى للفقير الواحد فطرات متعددة.
وأوضح أنه المفروض أن تخرج زكاة الفطر في البلد الذي وجبت فيه، أو بلد قريب منه، إذا كان فيهم من يستحقها، وإلا دفعت في بلد آخر، حيث المسلمون أشد فقرا.
فزكاة الفطر، يبرز الأستاذ الناجي لمين، تعد رمزا للتضامن الاجتماعي في صورة من صوره التعبدية الإيمانية، مشيرا إلى أن في ذلك تربية على النهج الذي رسمه أمير المؤمنين الملك محمد السادس، نصره الله، فلسفة اجتماعية لهذا الوطن.