ارتفاع درجات الحرارة رافقته ظواهر مناخية قصوى، بتعبير المختصين في علم المناخ، تسببت في خلخلة التوازن المناخي في العديد من بلدان المعمور، وطبعا المغرب من بينها، وهي الظواهر التي تسائل كل المعنيين من حكومات ومؤسسات حول مدى التزام الدول بتعهداتها في مجال حماية كوكب الأرض من التغيرات المناخية، وبالتالي الحفاظ على استمرارية الحياة به.
وتشير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقرير حديث لها عن حالة المناخ خلال 2020 إلى ارتفاع في تركيزات غازات الاحتباس الحراري، وفي درجات الحرارة في البر والمحيطات، وارتفاع مستوى سطح البحر(...)، إلى جانب إبرازها لآثار تلك الظواهر المناخية على التنمية الاجتماعية الاقتصادية، والهجرة والنزوح، والأمن الغذائي، والنظم الإيكولوجية البرية والبحرية.
وهو ما حذر منه الأمين العام للمنظمة بيتيري تالاس من خلال قوله إن " 28 عاما مرت منذ أن أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أول تقرير عن حالة المناخ في عام 1993 (...)، وعلى الرغم من تزايد فهم النظام المناخي والقدرات الحاسوبية منذ ذلك الحين، فإن الرسالة الأساسية لا تزال نفسها".
وفي تعليقه على هذا التقرير، شدد الأمين العام للأمم المتحدة على أن ما تضمنه من معطيات يبين أنه "لم يعد لدينا وقت نضيعه، فالمناخ يتغير وآثاره باتت تكلف الناس والكوكب الكثير للغاية".
وعلى المستوى المحلي، فقد اعتبرت مديرية الأرصاد الجوية الوطنية، في حصيلة المناخ التي نشرتها مؤخرا، أن "سنة 2020 هي السنة الأكثر حرارة على الإطلاق في المغرب، محتلة بذلك الرتبة الأولى أمام سنتي 2017 و2010، إذ فاق متوسط الحرارة لهذه السنة المعدل المناخي العادي لفترة 1981-2010 بحوالي 1,4+ درجة مئوية".
وفي قراءة لهذه التغيرات المناخية، ذهب الخبير في الأرصاد الجوية محمد بلعوشي إلى أن ارتفاع درجة الحرارة "كان متوقعا ومرتقبا"، نظرا للتحولات المناخية التي يعرفها العالم ككل، والمغرب بطبيعة الحال ليس في منأى عنها، والناتجة بالأساس عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
وأضاف، في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء بهذا الخصوص، أن الزيادة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري الرئيسية (الغازات الدفيئة التي يشكل غاز ثاني أوكسيد الكاربون نسبة الثلين منها) على مستوى الغلاف الجوي تتسبب في ارتفاع معدلات درجات الحرارة على سطح الأرض، والتي بلغت مستويات خطيرة في وقتنا الحالي.
وقال بلعوشي إن "معدل ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض يصل إلى 0,89 درجة مئوية، والمعروف أن متوسط درجة حرارة الأرض هو 15 درجة مئوية، وهو المعدل الطبيعي، وأي ارتفاع بأكثر من درجتين من شأنه أن يهدد مستقبل الحياة على كوكب الأرض، وينذر بالكارثة".
وأبرز هذا الخبير أنه "وإن كانت المنابر العلمية المختصة والمؤتمرات الأكاديمية قد اختلفت حول مسببات ظاهرة الاحتباس الحراري وعلاقتها بارتفاع درجات الحرارة على الكوكب، إلا أنها جميعها اتفقت على أن نظام المناخ أصبح مختلا، بشكل أدى إلى بروز ظواهر مناخية قصوى، ازدادت حدتها وارتفعت وتيرتها، وبدأت تمتد إلى مناطق جغرافية جديدة".
وهنا يوضح بلعوشي أن من بين تلك الظواهر ارتفاع مستوى المياه في البحار والمحيطات بفعل ذوبان الثلوج الذي بلغ ما بين 1870 و2000 ما قدره 18 سم، و6 سنتمرات في العشرين سنة الأخيرة، منبها إلى أن هذه الظاهرة لا تقل خطورة عن ظاهرة مناخية أخرى تتعلق بالزيادة في معدلات الحموضة بمياه البحار والمحيطات، نتيجة تفاعلها مع غاز ثاني أوكسيد الكاربون، مما ينعكس سلبا على الدورة البيولوجية للكائنات البحرية.
فهذه الظواهر يبدو تأثيرها واضحا على دورة الحياة، فهناك ما بين 20 و30 نوعا نباتيا وحيوانيا إما أنها انقرضت، أو في طريق الانقراض، مع تغير في خريطة التوزيع الجغرافي للنباتات والكائنات، ومثال ذلك ظهور حشرات كانت معتادة على الحياة بالمناطق الاستوائية في بعض البلدان الأوروبية، وحدوث أعاصير في منطقة شمال الأطلسي التي كانت في منأى عنها في ما قبل، وهي كلها مؤشرات تدق ناقوس الخطر.
ففي المغرب، ووفق ما جاء في حصيلة مناخ 2020، وإلى جانب ارتفاع درجة الحرارة، سجل عجز سنوي شامل في التساقطات، فاق ٪50 في المناطق المتواجدة شمال مراكش ومنطقة سوس ماسة والأطلس الصغير، وانعدام شبه تام للتساقطات في الأقاليم الجنوبية، لتكون بذلك سنة 2020 من بين الأربع سنوات الأكثر جفافا التي عرفها المغرب منذ سنة 1981.
إضافة إلى ظواهر جوية قصوى، منها حدوث عواصف رعدية شديدة، والرياح القوية التي وصلت سرعتها إلى حوالي 100 كم / ساعة، وسقوط البرد القوي، وحالتين استثنائيتين من الأمواج العاتية بالسواحل الأطلسية اقترب اقصى ارتفاعها من 10 أمتار.
وعلى مستوى العالم، أظهر تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن عام 2019 شهد أعلى مستوى حرارة في المحيطات على الإطلاق، والأمر نفسه في عام 2020، فيما تشير تقارير علمية مختصة إلى أن معدل ارتفاع درجة حرارة المحيطات على مدى العقد الماضي أعلى من المتوسط الطويل الأجل، علاوة على أن درجات الحرارة في جزء كبير من المنطقة القطبية الشمالية السيبيرية كانت أعلى من المتوسط بأكثر من 3 درجات مئوية.
أمام كل هذه المؤشرات، يبقى التساؤل مشروعا عما إذا كانت هناك إمكانية للاستدراك.
برأي بلعوشي، هناك متسع من الوقت للتدخل، شرط وفاء الدول بتعهداتها التي التزمت بها خلال القمم العالمية للمناخ، لاسيما في ما يتعلق باستعمال الطاقات البديلة والنظيفة، وتشجيع الاقتصاد الأخضر، وتحفير الفاعلين في مجال الصناعات على استعمال تلك الطاقات النظيفة وتقديم تحفيزات في هذا المجال.
وأبرز أن المغرب، ودون أية مبالغة، أبان عن التزام كبير في هذا المجال، وجهوده في الميدان بات معترفا بها على الصعيد العالمي، بعدما قطع خطوات ملموسة في اتجاه الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وخفض معدل ارتفاع درجة الحرارة إلى أقل من درجتين.
ونبه إلى أن ارتفاع متوسط درجة الحرارة على سطح الأرض وحده كاف لندرك حجم الكارثة التي تتهدد الجميع، إذا ما لم يتم احترام التعهدات الخاصة بالمناخ ومحاربة الاحتباس الحراري.
وهي الخلاصة التي أقرها الأمين العام للأمم المتحدة، في قوله "يتعين على البلدان الالتزام بالوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، وعليها أن تقدم، قبل عقد الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في غلاسكو، خططا مناخية وطنية طموحة تخفض، بحلول عام 2030، الانبعاثات العالمية بنسبة 45 في المائة مقارنة بمستويات عام 2010".