لا شك أن موضوع إضرابات التعليم فرض نفسه بقوة على الساحة الوطنية، واحتل الصدارة في ترتيب أولويات معيشنا اليومي، فهو من المواضيع التي يقال عنها « ملأ الدنيا وشغل الناس ». ولا خلاف حول كون الموسم الدراسي لم يبدأ بعد، ولا يمكن اعتبار أن ما تلقاه تلاميذ المدارس العمومية حتى الآن يؤشر على أننا نعيش موسما دراسيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
مؤسف حقا أن نشعر بأن الأيام التي تشهد الإضرابات عادية والأيام التي تفتح فيها المدارس في وجه التلاميذ غير عادية. فرغم أنها الحقيقة المرة، التي أتوقع أن يمتد تأثيرها من يوم الناس هذا إلى الأعوام المقبلة، ويحكم على فئة من أبناء الوطن بالتعثر، ويفرض على الأسر بذل كل الجهود وعلى رأسها المالي لتدارك ما يمكن تداركه.
شخصيا لا أعمم ولا أنحاز إلا للوطن وأبنائه ومستقبلهما. ولا أزعم أني أكثر وطنية من غيري، لكن الروح الوطنية تفرض على واحد منا التعبير عن قلقه، لأن الحياد السلبي لا يخدم القطاع والوطن، وهي الحقيقة التي علينا جميعا أن ندركها.
إن القضية لم تعد قضية رأي عام وطني، بل تعدت الحدود في زمن المعلومات والأخبار العابرة للقارات. وهنا ينبغي أن نفتح أعيننا أيضا على الآخر، ونتأكد من صدق نواياه، طالما أن هناك من يتربص بنا، ويبلس هذه القضية لبوسا بإيحاءات قدحية، وتهكمية، كما أن الأخبار المضللة يمكن أن تلعب دورا خبيثا لتسميم الأجواء والانتقال بالنقاش إلى موقع نعتبر أننا في مغرب الألفية ابتعدنا عنه، ويفترض أن نتعامل على هذا الأساس.
مؤسف أن نشعر بأن الإضراب أضحى قاعدة والدراسة استثناء، ومؤسف أيضا أن وطننا الذي ينشد المساواة، ويتنامى طموحه في الذهاب إلى أقصى نقطة في الطريق الطويل، لا يحقق فيه ذلك.
إن الوضع الحالي يحول دون تحقيق المساواة في ما يخص التحصيل الدراسي، فأبناؤنا الذين يتابعون تكوينهم في المدارس العمومية يواجهون المجهول حتى الآن، بحكم تواصل الإضراب. أما الذين يواصلون التحصيل العلمي في المؤسسات التعليمية الخاصة، فإن حياتهم الدراسية طبيعية.
يفترض أن تظل المدرسة العمومية هي الأصل، لكن حين تتوقف العجلة عن الدوران كما هو الحال هذه الأسابيع فإن أمورا كثيرة تتغير، وتتسبب في الإرهاق النفسي للأسر وفئة من التلاميذ، لأن التمييز، وتقدير الأمور حق قدرها، وإدراك حقيقة الخطر المحذق لا يتوافق مع سن المحرومين « قسرا » من الولوج إلى المدارس باعتبارها المكان الطبيعي والمستحق.
حدثت هذا الأسبوع تحولات سيكون لها ما بعدها في كل الأحوال. لكن طهور الأثر الإيجابي يتطلب أن تتغير نظرة كل الأطراف للأمور، إذ لا ينبغي أن نخفي أن بداية الأسبوع شهدت تحولات مهمة، ولعل أبرزها تحويل بوصلة المواجهة بخصوص ما يعتمل في أوساط التعليم منذ أسابيع.
إن هذا الأمر مرتبط، في نظري، بالاعتقاد الذي ساد في أوساط الأسر، بعد أن قررت الحكومة تجميد النظام الأساسي للتعليم، باعتباره عقدة في المنشار، وفجر الخلافات ونجمت عنه سلسلة الإضرابات التي ما زالت تعرقل السير الطبيعي والحقيق للموسم الدراسي.
كان لقرار التجميد واتفاق الحكومة مع النقابات التعليمية الأربع الأكثر تمثيلية، الموقعة على اتفاق 14 يناير 2023، على عدد الأمور، أثره على آباء وأولياء التلاميذ، الذين تقبلوه بصدر رحب واعتقدوا أن المشكلة انتهت، وأن التلاميذ سيعودون إلى فصولهم.
لكن استمرار الإضراب لعدم موافقة التنسيقيات على ما جرى التوصل إليه بعد الحوار مع النقابات ساهم بشكل أو بآخر في نفل الصراع من المواجهة بين رجال التعليم والحكومة إلى امتعاض الأولياء من تهديد الموسم الدراسي الحالي ووضع مستقبل التلاميذ على كف عفريت و« مواجهتهم » الأسرة التعليمية. وهذا ما عبر عنه نورالدين العكوري رئيس فيدرالية رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، الذي أكد في تصريح لـle360 أن القرار الحكومي استجاب لمطالب فيدرالية جمعيات الآباء وأيضا النقابات التي وافقت عليه وثمنت ما جرى التوصل إليه واصفا استمرار الإضراب بكونه تعبيرا عن « غياب الثقة بين التنسيقيات والنقابات التي تمثل رجال التعليم باعتبارها الطرف الذي يفاوض الوزارة ».
على غرار الكثير من الأولياء رفض العكوري « أخذ التلميذ رهينة لتحقيق الأهداف » ونبه إلى « أننا نواجه حاليا تهديدا بموسم دراسي أبيض، نتيجة تضييع الزمن المدرسي، فنهاية الدورة على الأبواب والتلاميذ لا يدرسون، وهذا مخيف ومؤسف في الآن نفسه » على اعتبار أن التلميذ لن يصبح المتضرر الوحيد.
من المؤكد أن بوصلة النقد انتقلت نحو الأسرة التعليمية، وإذا كان العكوري يعتبر أن الخلافات التي يرى البعض أنها قائمة يمكن حلها بالحوار، فمن الآباء يقترح استئناف الدراسة، وتنبيه الأساتذة إلى ما لا يرضون عنه عبر حمل الشارة وليس هدر الزمن المدرسي، وهو ما يعبر عنه بما معناه « تضييع الأبناء في حقهم المشروع » وهو التعليم.
إن عبارتي الربح والخسارة، تفرض نفسها بقوة وهذا لا يهم الآباء والأولياء والتلاميذ، بل يعني أيضا الأسرة التعليمية، التي يهمنا صيانة كرامة ومكانة أفرادها، وتنزيهها عن العبث، وهذا يتطلب إذا اقتضى الأمر بعض المراجعات، لنتجاوز المأزق ونخرج جميعا فائزين.