ويظهر أن هذا المرض النفسي قد أصاب بعض أنظمة الحكم التي قام بتحويلها إلى شخصيتين متناقضتين قادرتين بتبريرات نفعية على التعايش معا بانسجام غريب.
إن هذا يدعونا إلى دراسة السلوك السياسي من خلال معطيات ملموسة وليس من خلال نظريات لأن هذا السلوك أصبح يتعلق بإدارة دولة.
مناسبة هذا، الكلام الذي قرأه الرئيس تبون يوم الثلاثاء الماضي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك وهو الأول من نوعه منذ توليه مقاليد قصر المرادية نهاية عام 2019، حيث حاول من خلاله النظام العسكري الجزائري تسويق خرافات وأوهام وإعطاء انطباع بشكل مرضي شافاهم الله أن القوة المضروبة هي دولة محورية في المنطقة بل وفي العالم وأنها قادرة على حلحلة الأوضاع في كل المناطق الساخنة في العالم وأنها مكلفة برسالة لنصرة الشعوب ويجب أن تلتزم بها على أرض الواقع بل وحتى في القطبين الشمالي والجنوبي بل وتناصر حتى شعوب الكائنات الفضائية وباقي المجرات.
ومن أعراض استفحال مرض الفصام أنها ظنت نفسها قوة كونية عظمى، لذا وجهت نصائح وأوامر إلى المجتمع الدولي بضرورة إصلاح هيئة الأمم المتحدة من خلال إعطاء ديناميكية لتعدد الأقطاب حيث باتوا يتوهمون أنهم الأحق باكتساب مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي..!!
وادعى هذا النظام من خلال الكلام الذي قرأه تبون، تمسكه بحقوق الإنسان دون خجل، إيمانا منه كما يدعي بتعزيز الحقوق والحريات رغم أن المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية ما لبثت تفضح الممارسات الدكتاتورية الفاشية لهذا النظام العسكري وانتهاكاته لأبسط مبادئ حقوق الإنسان. لقد طالبت منظمة العفو الدولية « أمنستي » يوم الأربعاء 20 شتنبر 2023 الحكومة الجزائرية بـ »وضع حد لاعتداءاتها التي لاهوادة فيها على حرية التعبير والنشاط السلمي » حيث أوضحت المنظمة أن « عشرات النشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بقبعون خلف القضبان بالجزائر ويتزايد العدد مع قيام الحكومة بمزيد من الاعتقالات وتوجيه المزيد من التهم ضد الأشخاص الذين يمارسون ببساطة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها ».
وفي هذا الصدد أكدت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، أنه «في الجزائر اليوم، لا أحد يتحدث بشجاعة وانتقاد في مأمن من براثن السلطات العميقة. ».
وحري بالذكر أن منظمة « هيومن رايتس ووتش » تقدمت بورقة إحاطة قدمتها إلى كليمان نياليتسوبي فول مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات، الذي بدأ في زيارة تستغرق عشرة أيام إلى الجزائر ابتداء من 16شتنبر الجاري » إن السلطات الجزائرية سحقت الفضاء المدني خلال السنوات الأربع الماضية »، وقد وضحت ورقة الإحاطة هذه بالتفصيل كيف عطلت السلطات المجتمع المدني المستقل في البلاد وعرقلة التعددية السياسية بالاستناد إلى قوانين مقيدة للجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات، وأكد إيريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: « قضت السلطات الجزائرية على معظم ما تبقى من الحريات المدنية التي تمتع بها الجزائريون خلال فترة التحرر السياسي أواخر الثمانينات ويستطيع مقرر الأمم المتحدة لفت الانتباه إلى حملة القمع المستمرة التي تشنها الحكومة على المجتمع المدني، وحث الحكومة على إجراء الإصلاحات اللازمة حتى يتمكن الجزائريون من ممارسة حقهم في حرية التعبير والتنظيم بحرية ».
ومادام الشيء بالشيء يذكر، نشير إلى أن المناضل فرحات مهني زعيم حركة تقرير مصير القبائل في الجزائر ( ماك)ورئيس حكومة القبائل المؤقتة في المنفى (أنافاد) رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشأن حضور الرئيس الجزائري أشغال الدورة78للجمعية العامة للهيئة الأممية، حيث أكد على الإبادة الجماعية التي تستهدف منطقة القبائل، وأن النظام الجزائري » ينتهج سياسة الأراضي المحروقة بالمنطقة، حيث تم في يونيو 2021 إشعال أزيد من مئتي حريق من طرف الجيش الجزائري مستخدما الفوسفور وكبسولات حارقة أسقطت من الطائرات بدون طيار والمروحيات »، ودعا رئيس حكومة القبائل المؤقتة في المنفى (أنافاد) ضمن رسالته، المجتمع الدولي، إلى » التنديد بالسياسات العنصرية والتعذيب والمضايقات التي يتعرض لها الشعب القبائلي »، كما دعا إلى » العمل على إدراج ملف إنهاء الاستعمار الجزائري لمنطقة القبائل في جدول أعمال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة ».
إن تسويق الوهم أضحى علامة جزائرية لنظام الحكم الجزائري حيث انبرى تبون في قراءة معطيات مغلوطة حول إنجازات ومشاريع وأرقام مغلوطة أثارت سخرية الملاحظين والإعلام الدولي، وترديد أسطوانة مشروخة حيث قارن ما بين نضال الشعب الفلسطيني ومرتزقة البوليساريو، وادعى بدون حياء أن الجزائر ترفض اللجوء للقوة لفض النزاعات، في حين أن النظام الجزائري يخوض حربا على المملكة المغربية مستخدما بيادق البوليساريو وذلك بتمويل وإشراف جزائري، وللعلم أن هذا النظام البائد حاول استغلال ظروف كارثة الحوز وقام بيادقه بالعديد من المناوشات « الدنكشوطية » والتي تصدت لها القوات المسلحة الملكية المغربية ببسالة وحرفية عاليتين.
إن النظام الجزائري يحاول أن يلملم جراح الخيبة التي مني بها إثر رفض قبول طلبه في مجموعة بريكس رغم انبطاحه في خياراته الاستراتيجية المنحازة كليا لصالح المعسكر الشرقي، ومهاجمة القوى الغربية وعملة الدولار علنا في تهور مفضوح.. ورغم ذلك نجد أن التصريح الحكيم لوزير الخارجية الروسي » سيرجي لافاروف » حول معايير توسيع مجموعة: « بريكس » والتي تضمنت « وزن وهيبة الدولة ومواقفها على الساحة الدولية » قد عرت كل شيء.
واليوم نلاحظ أن هذا النظام قد ازدادت حالته سوء، حيث وصل به مرض الانفصام إلى مرحلة جد متقدمة، وبدأت الأعراض تتكاثر من خلال تسويق خرافات وأوهام جديدة أمام مجتمع دولي بات يشفق عليه.