آخر ضربات هذا النظام العسكري اقتراحه إدراج بند خاص بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة، لكن هذه المقترحات قوبلت برفض واضح من الولايات المتحدة وفرنسا اللتين شددتا على ضرورة الالتزام بالقرارات الصادرة منذ 2007 والتي تدعو إلى التوصل إلى حل سياسي واقعي ومتوافق عليه، وكما كان منتظرا اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة القرار رقم 2756وتم ذلك بتأييد 12 صوتا وامتناع دولتين عن التصويت وعدم مشاركة الجزائر التي تشغل حاليا مقعدا غير دائم في مجلس الأمن.
لقد حاولت الجزائر يائسة اقتراح تعديلين وفقا للمادة 33 من النظام الداخلي المؤقت للمجلس لكن خاب مسعى شطحاتها ومناوراتها.. وتم رفض تعديلات النظام الجزائري بتصويت أغلبية أعضاء مجلس الأمن الدولي، علما أن روسيا لم تدعم التعديلات الجزائرية..!
لقد تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا يمدد ولاية بعثة المينورسو لمدة سنة إلى غاية 31 أكتوبر 2025، وقد حدد القرار بوضوح أطراف العملية السياسية الذين يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم السياسية والقانونية والأخلاقية في البحث عن حل نهائي وعلى رأسهم الجزائر التي ذكرها القرار خمس مرات بصفتها طرفا رئيسيا في النزاع وفي الحل مقابل 7مرات بالنسبة للمغرب ومثلها للبوليساريو.
وقد طلب من الجزائر العودة إلى عملية الموائد المستديرة التي انسحبت منها، هاته العودة التي يجب أن تكون بـ«روح من الواقعية والتوافق»، وقد عبر مجلس الأمن عن قلقه العميق إزاء انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار من طرف البوليساريو مذكرا إياها بضرورة إجراء إحصاء لسكان مخيمات تندوف.
إن حجم فشل النظام الجزائري جعلت المندوب الجزائري لدى الأمم المتحدة يجر أذيال الخيبة والهزيمة حيث ظهر أمام وسائل الإعلام تائها ومنفعلا..
لقد رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بهذا القرار، في حين جدد ممثل فرنسا دعم باريس لمخطط الحكم الذاتي المغربي الذي وضع على الطاولة منذ سنة 2007، معتبرا أن الوقت قد حان للانطلاق فيه وقد سار في نفس الاتجاه ممثلو كل الدول الأعضاء.
إن الموقف الروسي لم يكن مفاجئا، ويجب أن نقرأه في سياقه العام، لأنها سبق أن تحفظت من خلال الامتناع عن التصويت السنة الماضية، وهو موقف لا يناقض المقاربة الأممية التي تؤيد الحكم الذاتي، بقدر ما هو ضد استفراد واشنطن بصياغة القرار باعتبارها صاحبة القلم كما أن الظرفية الجيوسياسية العالمية جعلت روسيا تصوت بالامتناع عن التصويت في كثير من القرارات الأخيرة لمجلس الأمن، علما أن كثيرا من المواقف الروسية تظهر أن هناك اعترافا غير مباشر بمغربية الصحراء.
إن الاستثناء يكمن في دولة الموزمبيق التي كان لها رأي آخر يخالف الإجماع الدولي..!
هاته الموزمبيق، التي تقع على المحيط الهندي في الجنوب الشرقي من قارة إفريقيا والتي تعد واحدة من الدول الأكثر فقرا في العالم، ينخر الانفصال جسدها المنهك أصلا.
لقد عانت من حرب أهلية بعد الاستقلال جراء الإرث الاستعماري وطريقة ترسيم الحدود ومشكلة الاندماح الوطني والهيمنة السياسية لحزب فريميلو، وتبني إيديولوجية ماركسية لينينية، حيث تتسم موزمبيق بتعددية إثنية ولغوية ودينية لأنه يوجد بها سبع جماعات رئيسية كبرى بالإضافة لجماعات أخرى صغيرة وحوالي عشر لغات محلية.
لقد واجهت المقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو) الفساد والاستبداد والتمييز العرقي في حرب أهلية طاحنة أدت إلى مقتل مليون شخص عام 1992، وبعد مخاض عسير أصبحت حركة «رينامو» التي كانت تنادي بالانفصال حزبا سياسيا إثر توقيع اتفاق سلام.
إقرأ أيضا : بنطلحة يكتب: انتباه... الجزائر منطقة سوداء!
هذا الاتفاق لم يكرس الاستقرار السياسي المنشود، حيث برزت التنظيمات الدينية المتطرفة التي سيطرت على الشمال وعملوا على تأسيس نظامهم السياسي الخاص داخل الدولة مما أدى إلى تأجيج الوضع من جديد مخلفا العديد من القتلى والنازحين، مما حدا بحكومة الموزمبيق على التعاقد مع شركات قتال خاصة أهمها الروسية Wagner والجنوب إفريقية Dyck Advisory، كما تم استدعاء شركات أخرى بناء على طلب الشركات النفطية، حيث ازدحمت أراضي الشمال بالمقاتلين النظاميين والمتعاقدين.
هكذا نلاحظ أن الموزمبيق الحكيمة والمناصرة لتقرير مصير الشعوب تعاني هي أصلا من الانفصال.. لقد كان حريا بممثلها في مجلس الأمن الدولي وهو الذي أرغموه على شرب لبن السباع.. أن يخجل من نفسه وهو يتحدث عن تقرير المصير والاستفتاء ومجموعة من الهلوسات والترهات، وأن يفتينا وهو رجل الدولة الحكيم في تقرير المصير للمناطق الساحلية شمال شرق موزمبيق حيث سيطر المتشددون مرارا على بلدة «بالما» وأعلنوها عاصمة لهم بما في ذلك ميناء «موكيمبوا دابرايا».
إن دولة جنوب إفريقيا التي تحد دولة موزمبيق من الجنوب الغربي، تبدو متوغلة في هذا البلد من خلال مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية والتي تضم ست عشر بلدا، حيث تتمتع فيها جنوب إفريقيا بنفوذ سياسي واسع لأنه سبق أن منعت الحكومة الموزمبيقية حضور وفد مغربي من المشاركة في اجتماع للمؤتمر الدولي لطوكيو حول تنمية إفريقيا « تيكاد » عقد في «مابوتو» خلال شهر غشت 2017 وذلك بعد احتجاجه على حضور مرتزقة البوليساريو، علاوة على ذلك فقد صوتت الموزمبيق ضد عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي.
ومن بين ضربات عصا النظام العسكري الجزائري، ادعاء أن كل المغاربة المتواجدين حاليا في الجزائر هو بمثابة جواسيس للمخزن والموساد الإسرائيلي، وهم بمثابة خطر على الأمن القومي، محرضة بضرورة طرد المغاربة بل وتشجيع الأشقاء الجزائريين على الانخراط في هذه الحرب المقدسة.
إن هذا التحريض الذي يدعو إلى العنف والكراهية والذي يأتي ضدا على كل المواثيق الدولية المتعلقة بحماية المهاجرين وضد مبادئ القانون الدولي الانساني، يذكرنا بما قام به بومدين سنة 1975حينما قام بطرد أزيد من 45 ألف أسرة مغربية من الجزائر في إطار ما سماه بـ«المسيرة السوداء».
لقد بات النظام العسكري الجزائري يضرب بعصاه في كل الاتجاهات حتى أن سقوط المطر مؤخرا بالمملكة المغربية بات يغيضه.. إن الأمر جد وليس هزل، إعلامهم الكاريكاتوري والبئيس يحاول إلصاق التهمة بالمغرب كونه أبعد السحب التي كانت متجهة إلى الجزائر..!
إن النظام العسكري الجزائري يلقي بمسؤولية أزمة ندرة المياه في الجزائر على المغرب حيث أن وزيرها للري طه دربال اتهم المغرب بتدمير المياه السطحية العابرة للحدود بغرب وجنوب بلاده وتجفيف سدودها، وهذا الادعاء مردود عليه من طرف خبراء في هذا المجال حيث أكدوا أن » هذه الاتهامات لا تعدو كونها تصديرا لأزمة داخلية، بالنظر إلى أن السدود التي يشيدها المغرب يحرص على ألا تمثل خرقا لمقتضيات اتفاقية هلسينكي الدولية لحماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية ».
اليوم، وأمام الفشل المتزايد والضربات المتتالية التي يتلقاها النظام العسكري الجزائري، يحاول في إطار الاحتفال وتخليد الذكرى الـ70 لما يسمى بـ«ثورة أول نوفمبر 1954»، أن يقوم باستعراض عسكري، لكل أجهزة الخردة، تتقدمها عربات «شيلكا» السوفياتية التي تعود إلى بداية الستينات! هذا الاستعراض، واعتبرت صحيفة «الشروق» الجزائرية أنه «يبعث رسائل عابرة للحدود». مهزلة!
بقي أن أشير إلى أننا ونحن أطفال، كان يغمرنا فرح طفولي أثناء اللعب بالخراطيش والبنادق المائية.. نعم لقد كان يسلينا ذلك، لأنه يجوز اللعب في عاشوراء...