وستظل شهادات الثناء والتعبير عن الإعجاب ملازمة لبلادنا بحكم تفردها بفسيفساء التعايش المشترك، الذي يبقى قدرا واختيارا في الوقت نفسه.
إنه قدر لاعتبارات تاريخية طالما أن الأجيال المتعاقبة تتوارثه، وتعمل جاهدة من أجل صيانته، وتعزيزه باعتباره مكسبا، يسلم مشعله للجيل اللاحق.
من حق المغاربة الافتخار بتعايشهم، الذي يعتبر سبقا لأن العالم «متأخر» لأهمية التعايش بين أفراد الشعب الوطن الواحد، وشعوب العالم، ونبذ الميز بين مختلف الأعراق.
إن الأمر يتعلق باختيار لأن المغرب المؤمن بقضاياه، والوفي لمبادئه، حر في اختياراته، ومعروف بأنه لا يقبل الإملاءات، نعم، إن الأمر لا يتعلق بإملاءات حين نكون بصدد التعايش، الذي قال عنه أندري أزولاي، مستشار الملك، ورئيس جمعية الصويرة موكادور: «من أراد أن يتعلم التعايش عليه بمدينة الصويرة التي تعد نموذجا وبلدنا المغرب معروف بسمو التعايش المشترك».
إن شهادة أزولاي المعتز ببلده واختياراته ليست فريدة، فالتميز المغربي، الذي يحظى بالاعتراف الدولي باستمرار، وهذا مبعث فخرنا.
وقد جاءت شهادة أخرى من الخارج، ونحن متأكدون أنها لن تكون الأخيرة، وهي على لسان الخبير جورج لاندريث، رئيس منظمة فرونتيرز أوف فريدوم، خلال استضافته في برنامج مع المغرب من واشنطن الذي تبثه قناة «ميدي 1 تي في»، إذ قال إن المغرب نموذج للتعايش الديني بين المسلمين واليهود والمسيحيين، لافتا إلى تعايش معتنقي مختلف الديانات السماوية (مسلمين ويهود ومسيحيين).
ومثلما نشهد على أن وطننا منزه عن الصراعات العرقية، جاءت شهادة لاندريث لتؤكد هذا التميز، وتدعم من جديد الريادة المغربية، إذ قال إن «هناك كثير مما بالإمكان تعلمه من المغرب وملكه».
اللافت أن لاندريث عزز ما سلف ذكره من عراقة التعايش المغربي بإشارته إلى تقديم الملك «خدمات قائد ملهم أسوة بوالده وجده» مستشهدا بحماية اليهود المغاربة خلال الحرب العالمية الثانية من التطهير الذي قادته ألمانيا النازية.
إن رسالة التعايش المميز لبلدنا لا تستثني أحدا، ولا مراء أن زيارة المشاركين في المنتدى الأورومتوسطي للقادة الشباب، الذي أقيم في مدينة الصويرة ما بين 24 و26 نونبر، لبيت الذاكرة الذي افتتحه الملك في يناير 2020، وما خلفته من أثر في نفوس الشباب المشاركين في اللقاء، بمثابة فرصة لتسليط مزيد من الضوء على تميز مغرب الألفية الثالثة، وتشبثه بالتعايش الفريد الضارب في عمق التاريخ.
أكيد أن المشاهد الحالية للتعايش المغربي المجسدة على أرض الواقع مستمدة من الجذور، وهذا هو الانطباع الذي خرج به القادة الشباب للفضاء الأورومتوسطي، وهم يطلعون على ما ينطق به تاريخنا.
هذا يسعدنا لأن رسالتنا ليس عابرة للحدود فحسب، بل إنها تمرر عبر الأجيال، ما يؤمن استمرارها بفضل جيل الغد محليا وأيضا عبر المشاركين في منتدى الشباب الأورومتوسطي المنعقد في الصويرة، الذين أصبحوا سفراء لمغرب التعايش ينقلون صورته المشرفة بكل اللغات.
صحيح أن المنتدى كان فرصة لإغناء الرصيد المعرفي للشباب الأورومتوسطي الـ110 الذين مثلوا كلا من المغرب، وتونس، ولبنان، وفرنسا وإسبانيا، إيطاليا عبر الخوض في مجالات متعددة، لكن زيارتهم لبيت الذاكرة التي نظمت لفائدتهم شكلت مناسبة مهمة لهم لاكتشاف بعض أسرار التعايش المغربي، الذي يبقي هذا البيت شاهدا عليه، باعتباره واحدا من أبرز وأعرق مظاهر التعايش المشترك المفتقد في كثير من البقاع.
من المؤكد أن المواطن المغربي يتعايش ليعيش في أمن وأمان، وليتمكن من صيانة موروثه الوطني، ذي الصبغة الدينية والثقافية والفنية والرياضية، التي لا يلغي أحد منها الآخر. وهذا جعله ينتزع على مر العصور الاحترام والتقدير والإعجاب,
إن المغاربة متفردون بتعايشهم، وتلاحمهم الذي أضحى مظهرا من مظاهر الحياة اليومية لمواطني الداخل ومغاربة العالم، وتقدم فاجعة الزلزال الذي ضرب الحوز في شتنبر الماضي الدليل على أن التعايش هو الأوكسجين، الذي يستقر كل مغربي يمنحه فرصة البقاء على قيد الحياة، وهو أيضا من جينات أبناء هذا البلد.
خلاصة القول إن انتفاء الخلاف حول التعايش المشترك في المغرب، تكريس لنبل أخلاق المواطنين المغاربة وتمسكهم بالقيم الإنسانية، وقبولهم بالآخر وهي عملة المغرب النادرة التي يعظ عليها الجميع بالنواجذ.