إننا نتذكر الموقف الألماني من الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، بعد أن تم تسجيله كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن الدولي، حينها اعتبر المغرب دعوة ألمانيا مجلس الأمن الدولي للبحث في الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة على الصحراء موقفا عدائيا، مما تسبب في استدعاء المغرب سفيرته ببرلين للتشاور وخلق أزمة صامتة بين البلدين نجمت عنها الكثير من التداعيات.
بعد ذلك، مرت مياه كثيرة تحت الجسر، وبما أن ألمانيا دولة مؤسسات تخضع قرارتها الاستراتيجية للتقييم العقلاني ولرؤية استشرافية مبنية على معطيات واقعية تمتح من لغة الأرقام والمصالح، تداركت الأمر، وتجسد ذلك في موقف الحكومة الألمانية الجديدة بقيادة المستشار أولاف شولتس الإيجابي من قضية الصحراء المغربية، مما أسهم في توطيد سبل الشراكة بين البلدين في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وإقامة شراكة متميزة تتطلع إلى المستقبل على قدم المساواة.
إن الموقف الإيجابي والمسؤول للحكومة الألمانية، لم يأت هكذا صدفة، وإنما إدراكا من صانع القرار الألماني، أن المغرب يعتبر حلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا وقوة إقليمية صاعدة يمكن تثمين العلاقة معها، علما أن المغرب يعد منطقة استراتيجية للربط بين أوروبا وإفريقيا في الجانب الاقتصادي.
هكذا نجد أن الواقعية السياسية ولغة المصالح انتصرت، بدل محاباة دولة عسكرية فاشلة مآلها إلى الزوال تحتضن مجموعة إرهابية تشكل خطرا على أمن القارتين، وهذا ما يؤكد سداد نظرة الديلوماسية الألمانية ومكانة المغرب الدولية.
في هذا الصدد يجب أن نستحضر مكانة ألمانيا في الاتحاد الأوروبي وقوتها الاقتصادية والديبلوماسية، كما أن ألمانيا شريك استراتيجي مع المغرب، وتراهن في علاقاتها معه البحث عن فرص اقتصادية جديدة مثل مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر باعتبارها بلدا رائدا في صناعة السيارات، وهي تحاول أن تبحث عن فرص جديدة، علما أن بريطانيا مثلا تستحوذ على عدد من الاسثتمارات في مجال التنقيب عن النفط والغاز علاوة على تأمين الإمدادات من الكهرباء إليها من المغرب عبر البحر ضمن مشروع ضخم تم الاتفاق عليه بين المغرب وبريطانيا.
إنه ولإعطاء زخم جديد في العلاقات المغربية الألمانية، تندرج الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لألمانيا، حيث تم الاتفاق على تنزيل الحوار الاستراتيجي المحدث بين البلدين بموجب الإعلان المشترك المعتمد بمناسبة الزيارة التي كانت قد قامت بها وزيرة الشؤون الخارجية لجمهورية ألمانيا الاتحادية أنالينا بيربوك، مما سيعزز مختلف مجالات التعاون الثنائي وتنمية التجارة والاستثمارات وكذا علاقاتهما السياسية والاقتصادية والأمنية، سعيا إلى الحفاظ على مصالح البلدين ذات الأولوية وتعزيزها في إطار معادلة رابح رابح.
ويجب التأكيد على أنه وخلال هذه الزيارة التي يقوم بها السيد ناصر بوريطة، جددت ألمانيا دعمها لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، حيث أكدت رئيسة الديبلوماسية الألمانية على مايلي: «دعم ألمانيا طويل الأمد للمسلسل الذي تقوده الأمم المتحدة قصد التوصل إلى حل سياسي واقعي براغماتي مستدام ومقبول من الأطراف»، كما أعرب الوزيران عن موقفهما المشترك إزاء حصرية الأمم المتحدة في العملية السياسية،مع تجديد تأكيدهما على قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
زيارة وزير الخارجية المغربي السيد ناصر بوريطة، انتصار للدبلوماسية المغربية، وانتصار للمغرب الدولة الأمة الذي ينظر إلى علاقاته الخارجية بنظارة الصحراء المغربية كما يؤكد على ذلك دائما عاهل البلاد، وانتصار للرؤية الاستراتيجية والواقعية لكلا البلدين.