ولم يكن اعتباطيا التوقيت الذي اختاره خوسيه مانويل ألباريس لإعلان هذا التذكير الذي تزامن مع تصويت البرلمان الأوروبي على توصية تستهدف المغرب في قراراته السيادية ومؤسساته الدستورية والتعليق على أحداث وأحكام قضائية بصفاقة غير مسبوقة. فأوروبا تدرك أن إسبانيا البوابة الأمنية الأولى لدول الاتحاد الأوروبي والمعبر الممكن لكل التهديدات والمخاطر الأمنية القادمة من بؤر التوتر في الساحل والصحراء، ومن تفاقم النزاعات الإقليمية في إفريقيا ونشاط شبكات الهجرة السرية والجريمة العابرة للحدود. وإسبانيا تعرف أن المغرب بوابتها في مواجهة هذه التهديدات كشريك موثوق يفي بكل التزاماته في هذا المجال.
تكشف الشراكة الأمنية بين المغرب وبلدان الاتحاد الأوربي، عن نجاعة المصالح الأمنية المغربية، في إطار التعاون الدولي الثنائي ومتعدد الأطراف، وقدرتها على تحييد الكثير من المخاطر الإرهابية التي هددت بلدان هذا الاتحاد. ويقدم التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وحده نموذجا لأهمية المغرب بالنسبة لأمن أوربا. ربما يعود ذلك إلى سنوات طويلة منذ انخراط المصالح المغربية في تدبير ملفات الإرهاب والجريمة المنظمة. فمساهمتها في التحقيقات التي تلت هجمات مدريد في مارس 2004 ساعدت على تحييد من تبقى من المجموعة التي نفذت الهجمات الإرهابية التي اختفت يومها بمنطقة «ليغانيس». كما جنب التعاون الأمني دولة مثل الدانمارك سنة 2009 وقوع عملية انتحارية كان يحضر لها «تنظيم القاعدة» على خلفية الرسوم المسيئة للرسول. وساهم تبادل المعلومات الاستخباراتية بين المغرب وإيطاليا في نونبر 2010 في إجهاض محاولة الاعتداء على بابا الفاتيكان في روما.
بعد هجمات باريس 2015 اعترف الفرنسيون أنفسهم بدور المصالح المغربية في إجهاض موجة جديدة من الهجمات الإرهابية في نفس اليوم بعد تحديد مكان العقل المدبر «عبد الحميد أباعوض». ومع ذلك أخفت المصالح الفرنسية حقيقة المعلومات التي قدمتها الأجهزة الأمنية المغربية لنظيرتها الفرنسية ليلة 3 أبريل 2021، وكانت سببا في إجهاض هجوم انتحاري على كنيسة فرنسية بمنطقة «بيزيير» بعد نجاح تنظيم «الدولة الإسلامية داعش» في استقطاب سيدة فرنسية للقيام بعملية انتحارية وسط قداس ديني. وحتى في الحرب الفرنسية ضد الإرهاب في الساحل كان للمصالح الاستخباراتية المغربية مساهمة عملياتية في تحييد قياديين اثنين، أحدهما ضمن «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» استهدفته القوات الفرنسية في أكتوبر 2019، والثاني ينتمي إلى تنظيم « الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى » تم تحييده في ماي 2019.
وزير الداخلية الألماني اعترف بعد هجمات برلين في 2016، أن مصالح بلاده لم تتعاطَ بالجدية اللازمة مع تحذيرات مغربية نبهت لوقوع عمليات إرهابية راح ضحيتها 19 شخصا، تأكد بعدها أن تقدير الاستخبارات المغربية حول نشاط مشبه فيه يحمل الجنسية التونسية، له ارتباطات بداعش، كان تقديرا صحيحا لم تتفاعل معه مصالح الأمن الألماني. بعدها، وخلال زيارة للمدير العام للشرطة الاتحادية الألمانية إلى المغرب في يونيو 2022، بحثا عن تعزيز الشراكة الثنائية الأمنية، تحدث المسؤول الألماني عن هذه الواقعة وعن دقة المعلومات التي قدمتها المصالح الأمنية المغربية حول التهديدات المرتبطة بالخطر الإرهابي.
الشراكة الأمنية مع إسبانيا تبدو الأكثر حضورا في العلاقات المغربية الأوروبية، وقد تعززت بشكل ملحوظ منذ إعلان ميلاد «الدولة الإسلامية داعش» في العام 2014. هذا التعاون منع وصول عشرات المجموعات إلى بؤر التوتر في العراق وسوريا، كانت تنوي الالتحاق بتنظيم داعش في «دولة الخلافة» عبر المعابر الحدودية بين البلدين. وفعلا تم تنظيم عمليات التسليم المراقب لنحو أكثر من عشرين «مجوعة جهادية» كانت تتجه نحو بؤر التوتر للقتال في صفوف التنظيم الإرهابي، تضم أشخاصا يحملون جنسيات مغربية وإسبانية جرى التنسيق فيما بينهم عبر وسطاء. بعد هجمات برشلونة صيف 2017 ساهمت المصالح الأمنية المغربية في التحقيقات التي جرت لتحديد ملابسات الهجوم وارتباطات منفذيه. ومنذ ذلك التاريخ تكررت العمليات الأمنية الموازية بين المغرب وإسبانيا في تفكيك الخلايا الإرهابية.
قد تشكل هذه النماذج وحدها دليلا على قوة العمل الأمني، وبالعودة إلى تصريح الخارجية الإسبانية في سياقه وتوقيته، يبدو أنه يستحضر هذه الحقائق، وهو بذلك أشبه بالرد على الهجمات التي تتعرض لها الشراكة المغربية الأوروبية، إذ يحمل في جوهره تحذيرا صريحا مفاده أنه لا يمكن لأوروبا ملاحقة وتفكيك الخلايا الإرهابية دون هذه المساعدة المغربية، ويبعث برسائل واضحة إلى بعض الأطراف الأوروبية التي تقامر اليوم بالمواطن الأوروبي الذي يحتاج الأمن قبل الغاز، يحتاج أن يعيش ليحيا!