على هذا الأساس قال الملك محمد السادس في الرسالة الموجهة إلى المشاركين في المناظرة التي افتتحت أشغالها يوم الخميس 7 دجنبر 2023 بالرباط إن «الاحتفاء بهذه الذكرى، يعد مناسبة للوقوف على ما تم تحقيقه من إنجازات في هذا المجال، وكذا على مكامن التقصير ومواطن الخلل التي شابت مسلسل الدفاع عن مكتسباته، ولرصد التحديات التي ما تزال تعترض سبيل المجتمع الدولي للنهوض الشامل بكافة قضايا حقوق الإنسان».
فالمغرب الذي يعد من الديمقراطيات الفتية التي تشق طريقها بثبات في هذا الطريق الطويل، يفوق طموحه ما تحقق حتى على المستوى الدولي، ويتطلع بكل ما تحمله المعنى إلى غد أفضل للمغاربة وسكان العالم على مستوى حقوق الإنسان.
إن ما قاله الملك، يعبر عن طموحات مغرب الألفية الثالثة، مغرب الحداثة والديموقراطية المنفتح والمتطلع، غير المكتفي بما تحقق المتطلع إلى حرق المزيد من المراحل.
مهم جدا ألا يكون للطموح الوطني حدود، ومهم أيضا ألا تكون انشغالاتنا حبيسة حدود الوطن، فما نقتنع بها اليوم يظل باستمرار نبيا مقارنة مع تطلعاتنا، وما يجري به العمل على المستوى الدولي يهمنا ويكون لنا موقف منه، وندلي بدولونا فيه.
ومن غير المغرب المتميز في محيطه يجدر به ذلك، أكيد أننا في المنتصف لكن الطموح والتطلعات تفوق ذلك، إن ما سجله الملك من ملاحظات وعبر عنه من مواقف يؤكد المكانة التي تحتلها بلادنا على هذا الصعيد، واحتضان المناظرة الدولية خير دليل، كما أنه تعبير صادق عن المغرب مسافر إلى عالم حقوق الإنسان اقتنى تذكرة الذهاب ولا يفكر إطلاق في العودة أو التراجع نصف خطوة إلى الوراء.
ويعبر قول الملك «إن تخليد المغرب، على غرار باقي بلدان العالم، لهذا الحدث الدولي البارز والفاصل في تاريخ البشرية، لهو تأكيد لما نوليه من اهتمام بالغ، وحرص دؤوب على النهوض بقضايا حقوق الإنسان في بلادنا، بكل أبعادها وتجلياتها، ثقافة وممارسـة» (يعبر) عن الواقع المعيش، ويسلط الأضواء على الحرص الملكي على أن تصبح ثقافة حقوق الإنسان من مميزات مغر الألفية الثالثة.
فالمغرب اختار التوجه الديمقراطي تقديرا للمواطن المغربي، ومن يقيم في المغرب، في إطار السياسة الملكية للهجرة. وما فتئ يعطي صورة واضحة عن قيمة الإنسان في المغرب، إذ ترتبط مختلف القرارات الصادرة والإجراءات المتخذة بالإنسان وتهدف إلى تحسين ظروف عيشه.
لقد رسم الملك وهو يخاطب المتناظرين صورة عن التحول المغربي في مجال حقوق الإنسان، إذ قال «اختار المغرب أن يسلك مسارا حقوقيا خاصا به، عرف وما يزال تطورا ملحوظا، بصم التجارب الدولية في هذا المجال».
إن عبارة اختار التي استعملها الملك لها دلالة قوية، فهي تعبر عن صلابة موقف المغرب في كل المجالات، وتعبر عن إرادته في التحول، الذي لا يد فيه لغير المغرب والمغاربة.
والأكيد أن التجارب أثبتت أن المغرب، الذي اختار عن طواعية، يعرف كيف يدافع عن مواقفه واختياراته، ويعيد من يرغب في اختباره إلى جاد الصواب، ويبدو أن الرسائل المغربية الواضحة جرى استيعابها من قبل من يهمهم الأمر ولم يعد بإمكانهم التطاول على بلادنا. ومن يغامر بذلك يجري إيقافه عند حده، لأن المغرب ليس في حاجة إلى الدروس أو التوجيهات، فحقوق الإنسان يكفلها الدستور وأضحت ممارسة يومية وليست شعارا لذلك يرفض المغرب أن تستعمل فزاعة من قبل حواريي الخصوم الذين ينسون من يدافعون عنهم، ويفترون على بلد ماض في طريقه ولم يترك لهم فجوة لإنجاز مهام قد تكون مدفوعة الأجر، لكن ما يثلج الصدر ويعيظ الخصوم أن الأصوات النشاز لا يكون لها أي أثر في التقارير الجادة.
خلاصة القول نحن إزاء قرار واختيار، ونطمح إلى المزيد وهو يجمله القول الملكي التالي: «إن تشبثنا الراسخ بالدفاع عن هذه الحقوق وتكريسها، لا يعادله إلا حرصنا الوطيد على مواصلة ترسيخ وتجويد دولة الحق والقانون وتقوية المؤسسات، باعتباره خيارا إراديا وسياديا، وتعزيز رصيد هذه المكتسبات، بموازاة مع التفاعل المتواصل والإيجابي مع القضايا الحقوقية المستجدة، سواء على المستوى الوطني أو ضمن المنظومة الأممية لحقوق الإنسان».
إن قول الملك «دشن المغرب منذ فترة، مرحلة جديدة من الإصلاحات البنيوية، والتي ارتأينا أن تكون على رأس أولويات سياساتنا العمومية، على غرار ورش تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية ودعم الفئات الهشة، باعتبارها مشروعا مجتمعيا يضمن فعلية الولوج للخدمات الاجتماعية والصحية، ويقوي دعامات المنظومة التضامنية الوطنية»، يوضح ما قطعه المغرب من أشواط، في درب الإصلاح، وانعكاسات ذلك على المواطنين والأجانب الذين اختاروا بلدنا مقرا للإقامة، وهذا لا ينكره إلا جاحد.
ويكفينا أننا نؤمن بأن حقوق الإنسان منارة مغرب الألفية الثالثة.