بنطلحة يكتب: زيارة ماكرون.. تصالح مع التاريخ وتدشين لعهد جديد

محمد بنطلحة الدكالي

في 28/10/2024 على الساعة 14:28

مقال رأيالعلاقات المغربية الفرنسية تاريخ ممتد عبر العصور، وهي ليست علاقة ظرفية، لكنها نتيجة علاقات تعززت وتوطدت بغض النظر عن تقلبات التاريخ.

ثمة درس نتعلمه من هذه التقلبات، هو أن الرغبة في علاقات أفضل وأقوى وأوضح تظل هي الهدف المنشود، وهو ما عبر عنه فرانسوا هولاند أثناء زيارته الأخيرة للرباط في معرض تعليقه على علاقات بلاده مع المملكة المغربية، أن تلك العلاقات «يجب أن تتحسن بالعمل على تجاوز سوء الفهم وتخطي هذه المرحلة الصعبة».

لحسن حظنا ثمة عبارة حكيمة خاطب بها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني نظيره المغربي ناصر بوريطة عبر منصة «إكس» في ختام زيارته الأولى إلى المملكة وإلى المنطقة: «شكرا على ترحيبك عزيزي ناصر بوريطة على هذا التبادل الدافئ والعميق، الرابط الذي يوحد بلدينا استثنائي، دعنا ننظر إلى المستقبل».

عبارة خاطبت بها فرنسا البلد الأوربي المملكة المغربية القوة الإقليمية الصاعدة... مدشنا بذلك مرحلة إزالة سوء الفهم ومعلنا فتح باب التواصل مع المملكة لبداية فصل جديد في العلاقات الثنائية بين البلدين.

إن فرنسا تعي جيدا أن المغرب حليف تقليدي ولا يمكن التفريط في علاقات جيدة معه مما هيأ لبداية فصل جديد في العلاقات المغربية الفرنسية من شأنه أن يتصالح مع التاريخ والجغرافيا الحقيقين ليكون انتصارا لعمق الروابط وللمصالح العليا بين البلدين، هاته المصالح وكما تعلمنا على أيدي علماء الجيوبوليتيك والكثير منهم فرنسيون، أنها لا تستقيم إلا على خطين متوازيين.

إن هذا التحول قرين بـ«البراغماتية» التي تكلم عنها رئيس الدبلوماسية الفرنسي خلال زيارته للرباط سيما وأنه تحدث عن خارطة طريق تمتد لثلاثين سنة المقبلة وقرين كذلك بمصطلح «التبصر»، حيث أكد على أنه «يجب أن نرى التحديات المقبلة بالكثير من التبصر حتى نجاري العالم الذي يتحول بسرعة».

مصطلح «التبصر» يستشف منه أن فرنسا أدركت أن المغرب أصبح قوة إقليمية صاعدة والمبادرات التي أطلقها سواء في غرب إفريقيا أو بدول الساحل أو دول الأطلسي أو في علاقته المتعددة الأقطاب مع القوى العظمى تفرض ضرورة التحلي بالواقعية السياسية، وبالتالي إن التبصر لم يأت صدفة أو عبثا في سياق الكلام، وإنما إدراكا لمكانة المغرب الدولية والإقليمية اقتصاديا وسياسيا، كما أنه ليس من الواقعية السياسية الانسياق وراء نظام عسكري فاشي يقود بلاده إلى الخراب.

ومادام الشيء بالشيء يذكر، حري بنا أن نتطرق إلى تصريح وزير الخارجية المغربي الذي أكد، حين استقباله وزير الخارجية الفرنسي، أن المملكة المغربية أصبحت قطبا أساسيا في المنطقة وفاعلا مهما في المنتظم الدولي بفضل الإصلاحات التي قام بها الملك محمد السادس حيث تقدم فرصا كبيرة لشركائها، وصارت شريكا مطلوبا من قبل العديد من القوى الدولية، مؤكدا على مبدأي «الثقة» و«الاحترام المتبادل».

للتجاوب مع هذه الفرص، وافقت السلطات الفرنسية على عملية الاستثمار الفرنسي الرسمي في الصحراء المغربية، وهو ما مثل اعترافا اقتصاديا وخطوة أولى نحو الاعتراف الرسمي.

بعد ذلك، عرفت علاقة البلدين خطوات وخطوات تجسدت حاليا في القرار الفرنسي الاعتراف الفرنسي الصريح والرسمي بمغربية الصحراء، واعتبار الحكم الذاتي الحل الوحيد والأوحد لحل النزاع المفتعل، حيث أن فرنسا العضو في مجلس الأمن الدولي ستوزع مذكرة على أعضاء مجلس الأمن تعلن من خلالها لجميع الأعضاء الاعتراف بمغربية الصحراء، كما يتعين على رئيس مجلس الأمن تعميم وثيقة الاعتراف الفرنسية بمغربية الصحراء على جميع الأعضاء الدائمين وغير الدائمين بمن فيهم الجزائر، وسيصبح قرارا واعترافا رسميا من دولة في قضية معروضة على مجلس الأمن.

إن الرسالة الموجهة من طرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس، تزامنا مع تخليد الذكرى الـ25 لعيد العرش، والتي أعلن من خلالها رسميا أن «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية» وأن بلاده «تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي» وأن هناك «توافقا دوليا يتبلور اليوم ويتسع نطاقه أكثر فأكثر».

إن مضمون هذه الرسالة التاريخية سيكون لها ما بعدها وتعكس تطورا بالغ الدلالة في مشروعية الموقف المغربي، كما تعكس الرؤية السديدة والدبلوماسية الحكيمة لملك البلاد، وعمق الروابط بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية.

واليوم يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب للتصالح مع التاريخ وتدشين عهد جديد لإعطاء زخم شديد لشراكة تاريخية بين المغرب وفرنسا وانتصارا للواقعية السياسية، حيث تسعى فرنسا الحفاظ على علاقة اقتصادية متينة مع المغرب كونها المستثمر الأجنبي الأول في المملكة، علما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تضاعف خلال السنوات العشر الأخيرة ليصل إلى 14مليار أورو في عام 2023.

زيارة ماكرون لبلادنا انتصار للمصالح العليا بين البلدين، وتصالح مع التاريخ والجغرافيا وبداية لإزالة سوء الفهم الكبير لبلد عضو في مجلس الأمن يعرف خبايا الكيان الجار جيدا.. وبذلك نطمح إلى كتابة تاريخ جديد.

تحرير من طرف محمد بنطلحة الدكالي
في 28/10/2024 على الساعة 14:28