وفي هذا الصدد، ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، أجرى Le360 حوارا مع الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض ومدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء.
ترى، ما تعليقكم على هذا التصريح؟
فعلا، لقد أطلق هذا الشخص العنان لخياله المريض وبدأ في نسج حكايات هي أقرب إلى الهلوسات، حين ادعى أن المملكة المغربية الشريفة، الدولة الأمة ذات الإرث الحضاري والتاريخي «تتواطأ مع إسرائيل في حربها ضد الشعب الفلسطيني» ووصف المغرب بـ«النظام الاستعماري المحتل للأراضي الصحراوية» والعديد من الترهات التي لامجال لذكرها.
ومن المعلوم أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها مسؤولون فلسطينيون في الجزائر تصريحات استفزازية من هذا النوع في حق المملكة المغربية وشعبها الأبي الذي يخرج في مظاهرات حاشدة بشكل يومي لنصرة القضية الفلسطينية والتنديد باستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، دون أن ننسى الموقف الرسمي الثابث للمملكة المغربية تجاه أشقائنا بفلسطين، حيث ظل المغرب ملتزما ووفيا لنصرة الشعب الفلسطيني ومؤازرته.
تصريحات نادر القيسي تأتي في وقت يواصل فيه المغرب دعمه للقضية الفلسطينية، ما رأيكم؟
إن دعم المغرب للقضية الفلسطينية ثابت عبر التاريخ تؤكده المعطيات التاريخية منذ القرن السابع عشر على إثر الأحداث التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط بسبب وجود العثمانيين وتدخل بريطانيا وفرنسا من جهة أخرى، إذ أن المغاربة الذين أقاموا في القدس شاركوا في محطات تاريخية ناصروا فيها الفلسطينيين ودافعوا عن القدس، كما أن تجارا مغاربة سبق لهم التبرع بممتلكات اقتنوها لصالح أسر فلسطينية ولا تزال وثائق ملكيتهم لها متوارثة إلى اليوم رغم مضي أكثر من قرنين على إبرامها بين أجدادهم وتجار مغاربة كانوا يفدون إلى القدس أساسا بعد مواسم الحج.
وفي سنة 1956 كان الملك الراحل محمد الخامس أول زعيم عربي يدعو إلى تحرير فلسطين والدفاع عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية المسلمين الأولى، إذ أن الزيارة التي نظمها الملك الراحل محمد الخامس إلى القدس كانت خطوة عربية جريئة. ومع الملك الراحل الحسن الثاني ورث المغرب موقعا محترما في معركة الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو ماترجم لاحقا في العديد من المبادرات الإيجابية خدمة للقضية الفلسطينية، ناهيك عن عقد قمم عربية في أزمنة حرجة جدا إقليميا ودوليا.
وفي عهد العاهل المغربي الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، دأبت المملكة المغربية على جعل القضية الفلسطينية ضمن الاهتمامات الأساسية في سياستها الخارجية، حيث انخرط المغرب في كل المبادرات الهادفة لنصرة الحقوق المشروعة للفلسطينيين، دون أن تحكم ذلك أي خلفيات سياسية.
لقد دأب المغرب على المساهمة دائما في مسار الاعتراف بدولة فلسطين على مستوى الأمم المتحدة، وذلك عبر تقديمه لدعم سياسي كبير في عدة محطات هامة ومصيرية منها اعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية في 14أكتوبر 1974بوصفها ممثلا للشعب الفلسطيني ومنحها الحق في المشاركة في مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة وإقرار قرار الجمعية العامة رقم 177/43في 15 دجنبر 1988 المتعلق بإعلان الاستقلال الفلسطيني واستبدال «منظمة التحرير الفلسطينية» باسم «فلسطين» في منظومة الأمم المتحدة، ودعم طلب إلى الرئيس الفلسطيني لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة في 23 شتنبر 2011، الأمر الذي أسفر عنه منح الجمعية العامة للأمم المتحدة لفلسطين مركز دولة غير عضو لها صفة مراقب، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21 دجنبر 2017 القاضي بدعوة الولايات المتحدة إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وفي الإطار نفسه، قام المغرب بعدة مبادرات عبر وكالة «بيت مال القدس الشريف» لإنجاز خطط وبرامج ملموسة صحية وتعليمية واجتماعية للشعب الفلسطيني بإشراف شخصي من ملك البلاد، كما قامت الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس بمجهودات حثيثة أفضت إلى موافقة إسرائيل على فتح المعبر الحدودي «اللنبي»، المعروف أيضا باسم جسر الملك حسين أو معبر الكرامة، الذي يربط الضفة الغربية بالأردن باعتباره المنفذ الحدودي الوحيد للفلسطينيين على العالم الخارجي مما سهل التجارة والأسفار واعتبر وسيلة ملموسة لبناء الثقة وركيزة أساسية للسلام بين الشركاء.
إن موقف المغرب ثابت بالنسبة للقضية الفلسطينية، والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهو الموقف الرسمي للدولة المغربية، ملكا وحكومة وشعبا، الذي يقوم على البحث المستمر عن تسوية عادلة ونهائية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني على أرضه مع المحافظة على الهوية التاريخية والحضارية للقدس الشريف.
لقد أكد الملك محمد السادس في مناسبات عديدة على التمسك بثوابت الشعب الفلسطيني ورفضه كافة الإجراءات أحادية الجانب التي تخالف القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويشهد الملاحظون والمهتمون أن الدبلوماسية المغربية بقيادة ملك البلاد أبانت عن حنكة وتبصر من خلال سياسة تدبيرية ذات رؤية استشرافية تحمل قدرا كبيرا من الواقعية السياسية والتبصر والحكمة، انطلاقا من المكانة السامية التي يحظى بها ملك البلاد في النسق السياسي الدستوري للنظام السياسي المغربي .
بمَ تُذكّرك تصريحات ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الجزائر؟
دعني أحدثك عن «الإله جانوس» في الإرث الأسطوري الروماني بوصفه حارسا لبوابة السماء،إنه إله ذو وجهين، وجه يؤدي صوب النعيم وآخر صوب الجحيم.
إن ارتداء قناع «جانوس» يمكنك من أن تلعب على الحبلين في حفل تنكري في بعض الوقت وليس كل الوقت، لأنه حتما سيسقط القناع عن القناع عن بعض الأشقاء الفلسطينيين، ولعل التاريخ سيكون من الشاهدين.