أشرف الحساني يكتب: البؤس السياسي والتصحر الثقافي

في 20/10/2025 على الساعة 22:00

مقال رأيراهن المثقف المغربي خلال سبعينيات القرن الـ 20 على الثقافة وجعل منها آلية من آليات النّظر في المجتمع، لكنّه كان على علم بأنّ هذه الثقافة، لا يمكن بلورتها وتكريسها إلاّ من داخل الأحزاب السياسية، لأنها كانت وماتزال الوسيلة الوحيدة لإنشاء مشاريع ثقافية حقيقية لها القدرة على تحرير التفكير داخل الفضاء العام، دون إيديولوجيات مسبقة.

لم يحصل أيّ شيء من هذا، وأعني تكريس الفعل الثقافي بعيداً عن الإيديولوجيا وجراحها، لكنْ على الأقل آمن رجل السياسة بالثقافة ولم يعتبرها غاية، بل ضرورة ملحّة لإنجاح مشروعه السياسي وتكريسه داخل المجتمع. لقد كانت الثقافة في عمق السياسة وكان صعباً على المثقف أنْ يمارس وظيفته كفاعل في الحقل الثقافي ومُنتج للأفكار، بعيداً عن مختبر السياسة الذي بدا وكأنه بحرٌ تتلاطم فيه أمواج الحداثة والتغيير. لقد شكّلت السبعينيات مختبراً فكرياً حقيقياً لعب دوراً كبيراً في تحديث الفعل الثقافي وإخراج الممارسات الثقافية من تقليديتها وجعلها تنفتح على ما كان يدور في الواقع من تحوّلات بنيوية كبيرة.

فقد ساهم نشوء الحركات الطلابية وتأجيج الفكر السياسي اليساري وظهور الحركات الفنية وبروز جمعيات المجتمع المدني في التأثير على هذه المرحلة التي تظلّ مفصلية في تاريخ الثقافة المغربية، بحكم ما تركته من أثر واضح داخل الجسد الثقافي خلال هذه المرحلة، والتي ما تزال الممارسات الثقافية اليوم تبني قيمتها وشرعيتها بالاستناد على مؤلفات ومسرحيات وأفلام أُنتجت خلال السبعينيات.

ورغم الانتماء الحزبي أو النقابي الذي وجد بعض المثقفين أنفسهم فيه، فإنّ الثقافة ظلّت بمثابة علامة مضيئة في مسارهم السياسي، لكونها الممارسة الوحيدة التي تعطي للعمل السياسي نجاعته ومصداقيته داخل الفضاء السياسي العام. فبدون ثقافة، لا يمكن بناء مشروع سياسي مختلف ومنفلت من قبضة من التدوير. إنّ أغلب المشاريع السياسة التي تفتقر إلى الثقافة أو على الأقل إلى نفحة ثقافية ببرامجها وأجنداتها، تظلّ هشّة ومرتبكة وغير قادرة على إحداث التغيير داخل الواقع. إنّ جيل السبعينيات، لم يتعامل مع الثقافة كنوع من الممارسة الرمزية التي تجعله يختلف عن باقي السياسيين، بقدر ما آمن بها كنوع من الفكر الذي يقدّم تغييراً من داحل المشروع السياسي، ويجعله مشروعاً مفتوحاً على كلّ الإمكانات.

بيد أنّ هذا الاهتمام بالثقافة ومفاهيمها، جعل الثقافة تبقى دائماً في تبعية السياسة، مع العلم أنّ هذه التبعية ليست وليدة السبعينيات، بقدر ما تجد امتدادها في العصر الوسيط، حيث ظلّ المثقف دائماً في خدمة السلطة يصحح لها أخطائها ويسوّغ زلاتها داخل المجتمع وفي علاقتها بالأفراد. لذلك، فإنّ المتأمّل للخطاب السياسي اليوم، يكاد لا يعثر على ذكر لـ « ثقافة » بحيث تظلّ منسية ومغيّبة، لأنها غير موجودة في القاموس السياسي، وحتى إنْ حضرت فهي مجرّد إكسيسوار لتلميع المشاريع السياسية الواهية التي لم تستطع خلق أيّ أفق مغاير داخل المجتمع.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 20/10/2025 على الساعة 22:00