وشهد الاجتماع الذي انعقد بمبادرة من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج وزراء خارجية بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد، الذين عبروا عن انخراط بلدانهم في المبادرة ذات الأهمية الاستراتيجية.
وتقاطع العمل على مستوى كل بلد « من أجل إعداد واقتراح أنماط تنفيذ هذه المبادرة » مع الاهتمام القاري والدولي البالغ، الذي حظي الاجتماع بالغ لكونه ترجم على أرض الواقع المكانة التي يحتلها العمق الإفريقي في السياسة الخارجية للمملكة، فضلا عن كونه ضربا للأطماع الجزائرية في الحصول على منفد نحو المحيط الأطلسي، وهو ما بذلت وتبذل من أجله كل الجهود التي تتمثل في التحرش بالوحدة الترابية للمغرب عبر صنيعتها « البوليساريو ».
وأكد محمد بودن، الخبير في العلاقات الدولية، ورئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية لـle360 أنه « لطالما كانت الجزائر تمني النفس في إيجاد منفذ للتسلل نحو الفضاء الأطلسي بإقامة دولة وهمية لا يمكنها أن تعارض رغبات السلطات الجزائرية و الواقع أن هذه المطامع أكدتها وثائق أمريكية رسمية، كما أن العديد من القراءات الفرنسية تعتبر أن الاستعمار الفرنسي نفخ خارطة الجزائر من منطلق رغبته في البقاء مطولا بالجزائر واقتطع أجزاء من دول في المنطقة لخدمة هذا الغرض، لكن من غرائب الصدف أن الجزائر المستقلة أصبحت من أكثر المدافعين عن الحدود الموروثة عن الاستعمار ».
وأبرز أن المغرب « أجهز على الطموح الهلامي للوصول نحو الأطلسي في ثلاث محطات أساسية أولها المسيرة الخضراء سنة 1975، وثانيها التدخل العملياتي في معبر الكركرات في نونبر 2020، وثالثها المكاسب المتعلقة بتأثير الموقفين الأمريكي والإسباني لما للبلدين من ثقل استراتيجي وأدوار تاريخية في ملف الصحراء المغربية ».
وأبرز دلالات المبادرة الملكية قائلا: « قبل حصول هذه التطورات ومن منطلق تكاملي عبر المغرب عن حسن نيته في إطار شراكة مغربية جزائرية للاستثمار في منجم غارة جبيلات عبر ميناء على المحيط الأطلسي سنة 1972، لكن الجزائر لم تلتزم بالاتفاق.
اليوم الجزائر تدرك بقوة أن التعامل مع الفضاء الأطلسي في مختلف أبعاده يقتضي في المقام الأول التعامل مع المغرب وهذه مسألة حساسة لبعض أجنحة السلطة في الجزائر رغم الهوس الجزائري بالأطلسي الذي تم التعبير عنه على مراحل.
يمثل المغرب صوت افريقيا وقد انعكست هذه المكانة في مختلف مبادرات المغرب الذي يعمل في الإطار الثنائي والجهوي والقاري على تعزيز ثقة أفريقيا في نفسها وامتلاك مقومات التطلع نحو المستقبل بكل ثقة، ولذلك يمكن إبراز الدلالات الأساسية للمبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل نحو المحيط الأطلسي:
أولا: تعكس المبادرة الملكية السامية المعلن عنها في خطاب الذكرى 48 للمسيرة الخضراء دراية المغرب وفهمه لمنطقة الساحل وتطلعاتها طالما أنها المنطقة هي الأكثر تضررا من تحديات عدة في سياق تعثر تجربة مجموعة دول الساحل الخمس مؤخرا.
ثانيا: المبادرة الملكية تمثل تعبير قوي عن التضامن الموصول للمغرب مع دول القارة وخاصة دول الساحل في طموحها نحو تحقيق الاستقرار والتنمية وتعزيز صمودها على المدى المتوسط.
ثالثا: المبادرة المتعلقة بالساحل تعكس قراءة وفهما مغربيا للمجريات في الفضاء الجيوسياسي للمنطقة مما يجعلها مكونا أساسيا في الرؤية المغربية للفضاء الأطلسي الذي يضم 23 بلدا.
رابعا: المبادرة الملكية ستعزز المساهمة المغربية في الترافع عن أفريقيا جهويا وقاريا ودوليا من منطلق المصداقية التي يتمتع بها المغرب واحترامه لسيادة واختيارات الدول.
خامسا: المبادرة الملكية من أجل الساحل تعبير عن التمسك بالتعاون جنوب _ جنوب والمغرب يأخذ زمام المبادرة لتمكين دول الساحل من الولوج للبنيات المينائية والطرقية في ترجمة للعمل المغربي الملموس مع أفريقيا وترجمة لمعاني الأخوة والصداقة العميقة كما جاء في الخطاب الملكي السامي في 31 يناير 2017 بمناسبة عودة المملكة المغربية لأسرة الاتحاد الأفريقي ».
ويرى الخبير محمد بودن أن « جوهر المبادرة الملكية يرتكز على تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي وكما هو معلوم، فإن كل من مالي والنيجير وبوركينافاسو وتشاد دول ليست لها منافذ بحرية و تلجأ في سلاسل التوريد أو التصدير إلى موانئ بعيدة أو طرق مكلفة وغير آمنة أما موريتانيا فارغم من كونها من دول الساحل إلا أنها دولة أطلسية.
وقد شاركت في الاجتماعات الوزارية الثلاث للدول الأفريقية الأطلسية وكان أخرها في مستهل شهر يوليوز 2023. ولابد من الإشارة إلى أن الاستراتيجية الأطلسية التي تهم 23 بلدا في القارة تمثل قاطرة للمبادرة المتعلقة بالساحل التي تنسجم مع التوجه التضامني للمغرب مع عمقه الاستراتيجي وفي إطار مقاربة التعاون جنوب _ جنوب ».
ومضى الخبير بودن يقول « الواقع أن اجتماع مراكش يمهد الطريق لتطور غير مسبوق يهدف إلى تعزيز خيارات الأمن والتنمية المشتركين في منطقة الساحل وبما ينعكس إيجابا على جهود التكامل والاندماج في القارة الإفريقية سواء في إطار أجندة التنمية الأفريقية 2063 أو في إطار ضخ عوامل فاعلة في مشروع اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية وغيرها.
لأسباب عديدة من بينها تعثر تجربة مجموعة الخمس بالساحل مؤخرا وتطوير البنية التحتية للدول الأكثر هشاشة في المنطقة وجعل الساحل طريقا للتنمية في أفق الاستفادة كذلك من ثمار أنبوب الغاز نيجيريا المغرب يمكن اعتبار اجتماع مراكش لحظة قوية لتسليط الضوء على إمكانات الساحل والدور الإيجابي للمغرب تجاه عمقه الاستراتيجي ».
وأضاف رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية المبادرة الملكية « تفتح بتسهيل ولوج دول الساحل نحو الأطلسي دينامية ملموسة في الفضاء الجيوسياسي للساحل، بل إن المملكة المغربية أخذت زمام المبادرة لتعضيد جهود دول الساحل في الوقت الذي لازالت بعض الأطراف تعتقد أن دول منطقة الساحل لا يمكنها أن تحلم بالنهوض من جديد ».
وختم بالقول « ينبغي التوقف عند مسألة أساسية وهي أن دول الساحل الأربع غير المشاطئة أعلنت دعمها بقوة للمبادرة الملكية بخصوص دول الساحل وهذا واضح في تصريحات وزراء الخارجية للدول المعنية رغم اختلافها في قضايا عديدة وهذا مؤشر واضح على أن المملكة المغربية تتمتع بمصداقية ودور بناء في المنطقة بفضل حكمة جلالة الملك محمد السادس وقدرة الدبلوماسية المغربية على حشد الدعم للمبادرات المشتركة ويمكن القول أن المغرب جار حقيقي لدول الساحل رغم عدم وجود حدود متاخمة بين الجانبين ».