وقد ترأس فعاليات هذا الحفل مولاي الحسن أحبيض رئيس جامعة القاضي عياض، ومحمد بنطلحة الدكالي رئيس المركز، وبحضور خبراء ومسؤولين وأكاديميين ممن خبروا مسارات قضية الصحراء المغربية، يتقدمهم الدكتور محمد الشيخ بيد الله، الدكتور محمد الطيار الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، والدكتور محمد بوزنكاف المختص في تاريخ الصحراء وأعضاء لجنة التحكيم، يتقدمهم الدكتور محمد العابدة والدكتور زين الدين الستاتي والدكتور أشرف.
واستهل رئيس الجامعة الكلمة الافتتاحية باستعراض سياق الجائزة، والذي يأتي ضمن مواكبة جامعة القاضي عياض للجهود الرسمية للدولة للترافع من أجل قضية الوحدة الترابية، انطلاقا من المداخل العلمية الرصينة، التي تستهدف إفحام المجتمع الدولي بعدالة القضية المغربية وواقعية أطروحة الحكم الذاتي كخيار جدي ومسؤول.
من جهته، قال الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، رئيس المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول قضايا الصحراء، إن احتفال المركز اليوم يهم الباحثين الذين أعدوا أطروحاتهم حول الصحراء، وبحضور شخصيات وطنية مشهود لها بخبرتها أولا حول الصحراء المغربية ودينامياتها الداخلية والخارجية في شخص محمد الشيخ بيد الله، الذي وصفه بالرجل الوطني الفذ، والذي أعطى لبلده الشيء الكثير ولجيل من الشباب دروس في معنى أن تكون وطنيا وباِلتزام، وفقا لتعبير المتحدث الأكاديمي ذاته.
وأضاف الدكتور بنطلحة أن مشاركة خبراء استراتيجيين بمداخلاتهم في هذا الحفل يقع في عمق المنطق الذي يحكم اشتغال المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول قضايا الصحراء، والرامية إلى التكامل المعرفي والعلمي بين المؤرخ والاستراتيجي والباحثين المتنافسين الذين سجلوا بمداد الفخر مستوى وصفه بالعالي في تملك الكفايات الترافعية باللغات العالمية الحية الأكثر انتشارا في المحافل والمنتديات الدولية، مما يعني معه أن الترافع كفن من أجل القضية يحتاج إلى لغة الآخر لمخاطبته بلغته، خاصة الإسبانية والإنجليزية، مبرزا أنه، وإيمانا من مركزه باستراتيجية هذه الآلية، فهو بصدد إصدار كتب باللغتين للتعريف بعدالة القضية أمام المنتظم الدولي.
وضرب الدكتور بنطلحة موعدا في الأشهر القادمة لانعقاد مؤتمر دولي بمشاركة ضيوف من أمريكا وأوروبا، والذي سيخصص جزء هاما منه للمتحدثين بالإنجليزية وبحضور مغاربة وأجانب من صناع القرار والمؤثرين فيه والوازنين دوليا.
وأشاد محمد الشيخ بيد الله، أحد القيادات الصحراوية المغربية، بجامعة القاضي عياض في شخص المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول قضايا الصحراء ورئيس الجامعة مولاي الحسن أحبيض، على تملك رؤية فلسفية علمية للقضية الوطنية من موقع الصرح الأكاديمي للقاضي عياض التاريخ والعلم، معتبرا أن أهمية هذا المقترب العلمي تجاه قضية الوحدة الترابية اليوم في بلادنا ينبغي أن يستهدف تملك الملف من طرف الباحثين الشباب وتملك وسائل المحاججة كآليات مهمة اليوم، مضيفا أن مغربية الصحراء في عشر دقائق ستمكن الباحثين من تملك شمولي للملف والتعريف به.
وقال بيد الله إن هذا الاتجاه الوطني المسؤول يبقى خصوصية للقاضي عياض كجهة مبتكرة له في الجامعة المغربية وتجاه قضية لها خصوصية في وجدان المغرب ملكا وشعبا، مردفا أنها ستعطينا وسائل للدفاع عن القضية بوسائل وإمكانات جديدة.
وعلاقة بالموضوع، استعرض الدكتور محمد الطيار، الخبير الاستراتيجي والأمني، مسارات القضية الوطنية وتأثيراتها الاستراتيجية في منطقة الساحل والصحراء، وما يثير استمرار هذا الصراع المفتعل من طرف الجزائر من قلاقل أمنية أقليمية وجهوية وقارية، مؤكدا أن تداعيات هذا القلق لا تستهدف فقط المغرب، بل جميع دول العالم أمام اتخاذ الجماعات الإرهابية وعصابات الاتجار في البشر والأسلحة للمناطق الهشة أمنيا، في إشارة منه إلى منطقة «تندوف» كأوكار لها، مشددا أن اتساع قاعدة الدول الداعمة لخيار الحكم الذاتي يعكس وعيا استراتيجيا وأمنيا لدى هذه الدول لفائدة أمنها القومي والإقليمي.
وتميزت فعاليات هذا العرس الأكاديمي، أيضا، بتقديم كتابين صادرين عن المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء، الأول موسوم بقضية الصحراء المغربية نظارة المملكة إلى العالم، قام بكتابة تصديره الدكتور مولاي الحسن احبيض رئيس جامعة القاضي عياض، فيما كتب تقديمه الدكتور محمد بنطلحة الدكالي.
كما قدم الكتاب الثاني الموسوم بـ: «بداية التواجد الإسباني في الجنوب المغربي دراسة في وثائق الأرشيف الإسباني» لمؤلفته أنخلا هيرنانديز ميرينيو، أستاذة التاريخ بجامعة مورسيا الإسبانية، ترجمه الدكتور خالد الرامي فيما عمل على المراجعة والتدقيق الدكتور محمد الطيار، وبإشراف وتنسيق الأستاذين محمد بنطلحة الدكالي والحبيب زين الدين، وهو العمل الذي قال عنه الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، رئيس مركز الدراسات والأبحاث حول الصحراء، إنه كتاب يؤكد عدالة مغربية الصحراء باعتراف من الوثائق الإسبانية الرسمية. مشددا أن المركز عازم على إعداد أول تقرير استراتيجي حول المناطق الجنوبية المغربية بمشاركة خبراء مشهود لهم بالكفاءة في هذا المجال.
وعقب ذلك، أعلن الدكتور الحبيب زين الدين، عضو لجنة التحكيم، عن هوية الفائزين بالجائزة، بعد تقديم المترشحين لمرافعاتهم، حيث فاز بالمرتبة الأولى الباحث حكيم التوزاني من جامعة ابن زهر بأكادير، المرتبة الثانية للباحثة لتفرح بوكرين المنتمية لجهة العيون-الساقية الحمراء والمنتسبة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، فيما آلت الجائزة الثالثة مناصفة لكل من الباحث محمد أحمد حمنة من جامعة القاضي عياض والمنتمي لجهة الداخلة-وادي الذهب، وعلي لمطهري من جامعة عبد المالك السعدي بطنجة.
واستعرض، بالمناسبة، الدكتور الستاتي، الأرضية الناظمة لعمل المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول قضايا الصحراء، وذلك انسجاما مع الرهانات المؤسساتية الرامية إلى مواكبة الجهود الدبلوماسية والتنموية في سياق موسوم بالكثير من المكاسب والتطورات الملموسة والمؤثرة إيجابا بالأقاليم الجنوبية للمملكة، ووعيا كذلك بأهمية البحث العلمي في رأس المال المادي واللامادي لجهات الصحراء المغربية.
وأكد أن فريق البحث بالمركز عاكف على إطلاق مجموعة من المشاريع العلمية، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، إطلاق النسخة الثانية من الجائزة الوطنية للدراسات والأبحاث حول ديناميات المجال الصحراوية؛ إعداد الأوراق المرجعية لإصدار تقرير إستراتيجي وطني حول لأقاليم الجنوبية، من خلال التركيز على الأٌقل على أربع مجالات رئيسية (المجال السياسي، والمجال الاجتماعي والثقافي، والمجال الاقتصادي، ومجال حقوق الإنسان والعلاقات الدولية)؛ وإطلاق مكتبة وسائطية افتراضية تحت اسم: «كتابي عن الأقاليم الصحراوية»، ستتيح إمكانية التعريف بأحدث المخطوطات والإصدارات الورقية والرقمية والاطلاع عليها؛ وإطلاق موقع خاص بالمركز للتعريف بأعماله وأنشطته، وفي نفس الوقت سيشكل منصة رقمية حول الخطب الملكية والمواضيع والقرارات والمشاريع ذات الصلة بديناميات المجال الصحراوي في أبعاده المختلفة. إلى جانب تنظيم المؤتمر السنوي للصحراء، الذي ستختتم أشغاله بتكريم «شخصية السنة» لأدائها ونشاطها بالأقاليم الجنوبية؛ ودلائل توظف كدعامات بيداغوجية خلال تكوين الفاعلين المهتمين بموضوع الوحدة الترابية الوطنية والمترافعين عنها في المحافل الدولية، وأخيرا إعداد أشرطة وبرامج وثائقية تُعرّف بالرأس المال المادي واللامادي للمجال الصحراوي، وتثمن مؤهلاته وعناصر قوته.
إلى ذلك، عبّر الفائزون، المنحدرون من جهات أربع من تراب المملكة المغربية، بمسابقة أطروحتي في عشر دقائق، عن ارتياحهم لمستوى النقاش العلمي والأكاديمي الذي باتت تعرفه القضية الوطنية داخل الجامعة المغربية وفي الأندية والأروقة الدولية، معتبرين هذه المسابقة درسا وتمرينا بيداغوجيا لتعزيز الكفايات وتسليط الضوء على جوانب بحثية جديدة في القضية نحو بناء تصور شمولي ومتكامل لبناء كفاءات ترافعية مغربية متملكة لمسارات القضية بقيم العلم والوطنية المطلوبين.
واختتمت فعاليات هذا الحفل العلمي بتلاوة الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، باسم رئيس الجامعة، برقية ولاء وإخلاص إلى الملك محمد السادس، وعقبها تم ترديد النشيد الوطني من طرف كل الحاضرين.