في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، غزت القبائل الغالية (tribus gauloises) بقيادة برينوس روما، ثم حاصرت مبنى الكابيتول حيث لجأ السكان. وبعد حصار طويل، وافق الغاليون على الانسحاب من المدينة مقابل فدية. ومع ذلك، عند وزن الفدية التي كان على الرومان دفعها، استخدم الغاليون أوزانا مزيفة، أعلى بكثير مما تم إقراره. وأمام الخديعة، احتج الرومان وعبروا عن سخطهم. فأجاب برينوس « ويل للمنهزمين » (vae victis)، واضعا سيفه على الميزان كوزن إضافي.
إن الأخلاق الأساسية لأي فرد لديه الحد الأدنى من التعاطف، تقتضي بالقول بأن هذا ظلم خطير، وأن الرومان هم ضحايا، وأن الأمر يتعلق بظلم يتعين إصلاحه. ربما ينبغي علينا حتى إطلاق هاشتاغ مثل: #برينوس_المحتال أو #نحن_كلنا_رومانيون، مع تغيير صور الواجهة، ووضع بدلا من ذلك شعار « شعب ومجلس شيوخ روما » (S.PQR) تعبيرا على التضامن مع الرومان. بل إن البعض قد يذهب إلى حد التظاهر أمام سفارة الغال في روما.
غير أن الرومان فضلوا خيارا مختلفا تماما. وهو الموقف الرجولي أمام المأساة، كما علمهم الآباء المؤسسون لهذه المدينة الصغيرة التي أصبحت بعد بضعة قرون إمبراطورية، والتي لن تكون بلاد الغال نفسها سوى مقاطعة تابعة لها.
إذا كان هناك من عبرة يمكن استخلاصها من هذه القصة، فهي أنه في الجيوسياسية، لا يوجد خير محض ولا شر محض، ولا يوجد شرير ولا ملاك، ولا يوجد عادل ولا ظالم. ولكن هناك أقوياء وأقل قوة وضعفاء. ومن الأفضل لكل أمة ألا تجد نفسها بين الضعفاء.
ولكن، ستقولون لي، لقد تغير العالم، والآن لدينا قانون دولي يحكم العلاقات بين الدول على أساس حضاري.
سأجيب بنعم، لكن أضيف أن الأمر يتعلق بالقانون الدولي للأقوياء، المفروض على الضعفاء. لأن بنية النظام الدولي الحالي تم تصميمها بعناية لوضع الأقوياء، وبعبارة أخرى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن وحلفائهم، لا يطالهم هذا القانون. وبالتالي فإن حق النقض هو امتياز السادة، أمام مجلس العامة.
إذا كان علينا أن نجد شعارا للنظام الحالي، فسيكون « افعل ما يطلب منك، ولا تفعل ما نفعله ».
الأقوياء لا يكتبون الماضي فقط. بل يكتبون أيضا الحاضر.
وهكذا، فإن الحروب الأخلاقية هي التي نخوضها. أما بالنسبة لحروبك، فسيتم وصفها أحيانا على أنها غزوات، وأحيانا على أنها حق الدفاع عن النفس، وفقا لمصالحنا.
وبالتالي، فنحن أمام موقفين. موقف الضحية الذي يتمثل في وصف العالم بأنه غير عادل وتبرير تأخرنا في التنمية والقوة بالماضي الاستعماري أو بالتدخل الأجنبي.
أو موقف الاندماج في هذا الوضع، كما فعل الرومان، والعمل الجاد من أجل تجاوز وضع موضوع الجيوسياسي بشكل نهائي وتصبح فاعلا جيوسياسيا.
وختاما، لن تتمكن الهاشتاغات ولا المظاهرات ولا الدعاء على فيسبوك من إيقاف الصواريخ والدبابات الإسرائيلية بأي شكل من الأشكال. ومن ناحية أخرى، فإن تقدم العالم العربي اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكرياً من شأنه بلا شك أن يردع أي بلد عن الاستخدام غير المشروع للعنف ضد شعوبنا.
هل تريدون مساعدة الفلسطينيين وجميع المظلومين على هذه الأرض بشكل فعال؟ في هذه الحالة، افعلوا كل ما هو ممكن لتطوير بلدكم من خلال تزويده بعوامل القوة اللازمة.
لأن التاريخ، للأسف الشديد، لا يعرف طريقا آخر.