ويتميّز الكتاب في كونه يقدم قراءة ماتعة في الفكر السياسي المعاصر برؤى جديدة تستلهم مناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية وتُحاول عبرها تفكيك ميكانيزمات المتون الفكرية العربية انطلاقاً من مفهوم التحديث. يقول مراد زوين « إنّ التفكير في خلفيات الأسئلة التي طرحت على المفكّرين العرب منذ أكثر من قرن ونصف، تجعلنا أمام صعوبة تحديد الشروط والعوامل المؤدية إلى الآليات التي تبنى عليها الدولة الحديثة عندهم، لأن الشرط يسبق الآلية. فالمفاهيم المصاحبة لم تكن عريبة على عملية الإصلاح والتحديث، بل كانت ترجمة لمخاض يسعى للخروج من مرحلة الجمود بركب الدول الغربية، لهذا طغت على الفكر العربي المفاهيم التي تتعلق بالآليات المحدّدة للدولة الحديثة دون الوعي بالشروط والعوامل التي ساهمت في بنائها ليبقى مفهوم التحديث مفهوماً نخبوياً، يدخل في اهتمام نخبة محدودة إما سياسية أو ثقافية، لم يكن لها تأثير على المجتمع الغارق في التقليد، لهذا فكلّ محاولة للتحديث باءت بالفشل، ما سهّل على الفقهاء ورجال الدين معاكسة أي توجيه تحديثي ومحاربته بدعوى الشرعية الدينية كسند لا بد منه لممارسة الحكم والتدبير السياسي، فسلطة الفقيه توازي سلطة رجال السياسة وأكبر من سلطة المثقف، لهذا فهو يمثل مرجعية أساسية للحفاظ والدفاع عن التراث ومواجهة أي تجديد يرى فيه تغريباً وتقويضاً لسلطته ».
من ثم فإنّ عملية البناء في نظر الباحث « تستدعي الهدم في المقام الأوّل، وهذه العملية تتطلّب الجرأة في المواجهة، وشروط الجرأة تتوقّف أساساً على وعي ونضج طبقة أو فئة اجتماعية تحتضن هذا البناء فبدونها لن يعرف البناء طريقه نحو النجاح، فالتحديث في المجال السياسي أو مجال من مجالات الأخرى، مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بتحديث المجتمع ككل، لهذا فالثورة الثقافية التي يدعو إليها البعض لن تتحقّق ويحالفها النجاح، إلاّ إذا كانت مطلباً مجتمعياً له سند اجتماعي يبعدنا عن العودة إلى نخبوية القرنين الماضيين »