الصندوق الأسود للدبلوماسية الجزائرية: اعترافات عبد المجيد عجالي بشأن الانفصالية

Jillali El Adnani.

الجيلالي العدناني

في 17/08/2025 على الساعة 18:13

مقال رأيتحت غطاء الخطاب المناهض للاستعمار، أولت الجزائر، منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، أولويةً قصوى لإبقاء الصحراء تحت الحكم الإسباني، بهدف تمهيد الطريق لظهور جبهة البوليساريو. وتُلقي دسائس عبد المجيد عجالي، الموظف السامي في وزارة الخارجية الجزائرية في سبعينيات القرن الماضي، الضوء على سياسة لم تحكمها مثل ومبادئ التحرر، بل تحكمت فيها حسابات استراتيجية.

بين عامي 1965 و1975، اتسم موقف الجزائر من الصحراء بالازدواجية. رسميا، أعلنت الجزائر دعمها لإنهاء الاستعمار وحقوق الشعوب. ولكن في الواقع، عملت على الحفاظ على استمرار الوجود الإسباني في الإقليم.

لماذا؟ لأن هذا الوضع الراهن يخدم مصالحها. إذ يمنح الجزائر الوقت الكافي لإعداد أداة سياسية وعسكرية خاضعة لها: جبهة البوليساريو. وراء تصريحات «حسن الجوار»، كانت الجزائر تعمل بالفعل على تحويل الصحراء إلى جرح مفتوح بينها وبين المغرب.

وبدلا من المشاركة في دينامية التحرير، هدفت الاستراتيجية الجزائرية إلى تحويل قضية الصحراء إلى ورقة ضغط دبلوماسية. أصبحت الصحراء ورقة في اللعبة الإقليمية الكبرى.

اعترافات عبد المجيد عجالي

تتجلى هذه الازدواجية بوضوح في تصريحات عبد المجيد عجالي، مدير الشؤون السياسية في عهد عبد العزيز بوتفليقة، وزير الخارجية آنذاك. في أوائل سبعينيات القرن الماضي، أطلع السفير الفرنسي في الجزائر، جان ماري سوتو، على اعترافات أشبه بأسرار الدولة الحقيقية.

اتسم السياق آنذاك بتوترات مستمرة بين الرباط والجزائر. كان هواري بومدين قد ألقى خطابا في أديس أبابا أمام منظمة الوحدة الإفريقية، حيث تجنب بعناية الإشادة بدور الملك الحسن الثاني، الرئيس المنتهية ولايته للمنظمة. عكس هذا البرود بالفعل المناخ المتوتر. لكن تصريحات عجالي بشأن الصحراء هي التي كشفت عن النوايا الحقيقية للجزائر.

ووفقا للتقرير الدبلوماسي الفرنسي، أقر عجالي بأن «الجزائر لديها سياسة مغربية (...) شديدة الحساسية»1.

منذ عام 1972، استقبلت الجزائر مناضلين صحراويين، بالإضافة إلى نشطاء مدافعين عن استقلال جزر الكناري. خلف الكواليس، كانت تتشكل النواة الأصلية لجبهة البوليساريو. يظهر تحليل المواقف الرسمية آنذاك المنشأ الخارجي لهذه الحركة: فقد ولدت تحت الوصاية الجزائرية، مكررة حرفيا الخطاب الذي تبناه بومدين ومحيطه، دون أي هامش للاستقلالية.

ينقل السفير الفرنسي في الجزائر، جون ماري سوتو، تصريحات عجالي حول الموضوع الحساس المتعلق بالأسلحة الليبية والجزائرية التي عثر عليها في المغرب:

«لم ينكر السيد عجالي وجود خلافات بين الجزائر والرباط حول الحدود والصحراء الإسبانية. في ما يتعلق بالنقطة الأولى (الأسلحة التي تهربها الجزائر إلى المغرب، ملاحظة المحرر)، أخبرني أن الجزائر تبذل قصارى جهدها لضمان مراقبة فعالة، لكنها مهمة بالغة الصعوبة لأننا لم نتمكن من تحقيق ذلك بأنفسنا عندما كنا نملك النفوذ في كلا البلدين».

بهذه الاعترافات، يقر عبد المجيد عجالي ضمنيا بعنصرين مهمين: وجود تهريب للأسلحة إلى المغرب، والرغبة في إدامة التوتر بشأن النزاع الصحراوي.

أكد عجالي أن فرنسا الاستعمارية، «القوة العظمى»، فشلت حتى في منع تدفق المواد المهربة والأسلحة بين الجزائر والمغرب. وقدم هذه الملاحظة لتبرير عجز الجزائر، لكنه كشف ضمنيا عن وجود تواطؤ، بل وتورط مباشر (اقرأ مقال العدناني) في تأجيج التوترات.

تكشف المقابلة مع سوتو عن جانب آخر من السياسة الجزائرية: الرغبة في ترسيخ سيادتها على الصحراء الشرقية –الناتجة عن الحدود الموروثة من الاستعمار الفرنسي- مع الحفاظ عمدا على مناخ من عدم الاستقرار بخصوص الصحراء.

بعبارة أخرى، لم تكن الجزائر ضحية وضعية لا تملك السيطرة عليها فحسب، بل كانت هي صانعتها، مستخدمة المناوشات الحدودية كسلاح دبلوماسي.

شاركت الجزائر في اجتماعات مهمة مع الرباط ونواكشوط -إفران (1969)، ونواذيبو (1970)، وتلمسان والرباط (1970-1972). لكن بالنسبة للجزائر، لم تكن لهذه الاجتماعات سوى قيمة عرضية. ولم يكن هدفها التوصل إلى توافق دائم، بل كسب الوقت والحفاظ على الوضع الراهن المفيد.

التحالف المتناقض مع مدريد

تتضح حربائية الجزائر أكثر عند دراسة موقفها تجاه إسبانيا. رسميا، أعلنت الجزائر أنه «ليس لديها أي مطالب ترابية» في الصحراء. وأكد عجالي، وفقا لتقرير سوتو، أن «الأمر متروك لمن يملكونها للتوصل إلى اتفاق».

لكن في الواقع، رضخت الجزائر بسهولة مذهلة لاستمرار الحكم الاستعماري الإسباني. وهكذا أشار سوتو قائلا:

«وفضلا عن ذلك، اتضح بشكل متزايد أن إسبانيا لا تنوي التخلي عن فريستها. وبقوله هذا، بدا السيد عجالي وكأنه قد رضخ بسهولة لاستمرار الوضع الراهن. على أي حال، أظهرت تصريحاته أن الجزائر لا تزال حريصة كعادتها على الحفاظ على علاقات جيدة مع إسبانيا».

كان هذا الموقف، البعيد كل البعد عن مبدأ مناهضة الاستعمار، مناورة سياسية: حماية المصالح الإسبانية على المدى القريب تمهيدا لفرض فاعل جديد -البوليساريو- الذي سيطرح نفسه كـ«المالك الشرعي الحقيقي» في مواجهة المغرب وموريتانيا.

وهكذا، عندما توصلت الرباط ونواكشوط إلى اتفاق عام 1975 بشأن تقسيم الصحراء الإسبانية السابقة، لم تتردد الجزائر في إدانته بشدة، مظهرة البوليساريو كمحاور حصري. ثم بلغت المناورة ذروتها: فبعد حماية مدريد، قدمت الجزائر نفسها بأنها نصيرة مبدأ تقرير المصير لفرض دميتها.

نواة الصراع الدائم

بتعبيدها الطريق لنشوء البوليساريو، أدخلت الجزائر منطقا ساهم في تسميم الأجواء داخل المغرب الكبير بشكل دائم. وتحت غطاء التضامن ضد الاستعمار، استخدمت الصحراء في الواقع كأداة ضغط دائمة على المغرب.

إن اعترافات عجالي تساهم في فهم أن هذه الاستراتيجية لم تكن مرتجلة، بل كانت ثمرة تخطيط متأن، هدفت فيه كل خطوة -من الدعم الضمني لإسبانيا إلى الترحيب بأوائل المناضلين الصحراويين- إلى تحويل القضية الصحراوية إلى أداة نفوذ.

ولهذا السبب، تبدو تصريحات الأخوة التي صدرت خلال القمم الثنائية مع الرباط، في ضوء هذه الوثائق، مجرد خدعة. فخلف الابتسامات الدبلوماسية، كانت الجزائر تشكل آلية مواجهة أصبحت البوليساريو أداتها الرئيسية.

تكشف الأرشيفات الدبلوماسية واعترافات عبد المجيد عجالي النقاب عن نشأة صراع لا يزال مستمرا حتى اليوم. فبدلا من مناصرة قضية تحرر، حولت الجزائر القضية الصحراوية إلى أداة لتعزيز تنافسها مع المغرب. وأخفى قناع مناهضة الاستعمار موقفا مؤيدا لإسبانيا، سرعان ما رددته البوليساريو. وهكذا، منذ سبعينيات القرن الماضي، تشكلت علبة سوداء للدبلوماسية الجزائرية: علبة انفصالية مفتعلة، موجهة لخدمة طموحاتها الجيوسياسيةٍ لا للدفاع عن حرية الشعوب.

1: وثيقة أرسلها السفير الفرنسي جون ماري سوتو من الجزائر بتاريخ 13 يونيو 1973، بعنوان: «العلاقات بين الجزائر والمغرب» إلى مختلف السفارات في المغرب الكبير. أرشيف لاكورنوف، شمال إفريقيا، المغرب، الجزائر، موريتانيا، 1972-1982، تحت رقم: «2046INVA»، صندوق 897.

تحرير من طرف الجيلالي العدناني
في 17/08/2025 على الساعة 18:13