وجاءت متابعة سعيد الناصري رئيس الوداد البيضاوي، وعبد النبي بعيوي، رئيس مجلس جهة الشرق، وعبد الرحيم شقيق الأخير، رئيس جماعة عين الصفا بوجدة في قضية الاتجار الدولي للمخدرات، في حالة اعتقال، لتؤكد أنه لا استثناء في مغرب الألفية الثالثة، وأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وأننا نعيش في مغرب « ماتديرش ماتخافش ».
إن قرار قاضي التحقيق إيداع الأشخاص المذكورين ضمن 21 متهما في القضية المذكورة سلفا، فضلا عن مجموعة من رجال الأعمال وموظفي الشرطة والدرك وموثقين ومستخدمين جاء ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الإفلات من العقاب والتمييز لأي من الاعتبارات أضحى صعبا ولم لا نقول مستحيلا.
أكيد أن المسار الذي اتخذته القضية التي تفجرت وشغلت الإعلام والرأي العام يثلج الصدر. لا أقول هذا من باب التشفي في من هم وراء القضبان الأن، كما أني لا أستبق الأحداث طالما أن القضية ما تزال بين يدي عدالة تمتلك بالفعل الكلمة الأولى والأخيرة.
إن ما حدث يرتقي بسمعة الوطن، ويكرس حرية القضاء في مغرب الحداثة والديمقراطية، وهذا مبعث فخر كل مغربي يغار على سمعة بلده.
نحن بصدد تجسيد فعلي لحرية القضاء، عبر إبعاده عن كل ما من شأنه التأثير على السير الطبيعي للقضية، إيذانا بإعمال القانون دون الالتفات إلى وضع المتهمين، أو التمييز بينهم.
لقد اشتغلت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على القضية في إطار البحث التمهيدي عدة أشهر، ودققت في التفاصيل وضبطت الأمور جريا على عادتها، واستغرق عملها عدة أشهر » بسبب التدقيقات والافتحاصات المالية، والمواجهات والانتدابات التقنية، في قضية متشابكة تتعلق بالتزوير في محررات رسمية وعرفية، والمشاركة في الاتجار في المخدرات، ومنح وقبول رشاوي في إطار ممارسة الوظيفة » بناء على ما أكده مصادر قضائية لـ Le360 ونشرناه يوم الجمعة 22 دجنبر 2023.
ويمكن القول، إن الفصل الأول من هذه القضية التي سيكون لها ما بعدها، انتهى على النحو الأمثل، بإحالة الملف والمتهمين على النيابة العامة، واتخاذ قاضي التحقيق المتعين وإقرار متابعة 21 متها في حالة اعتقال لتنطلق فصول جديدة. وهو ما التمسته النيابة العامة فضلا عن قرار الوكيل العام للملك « إغلاق الحدود وسحب جوازات السفر في حق أربعة متهمين، وإخضاعهم للمراقبة القضائية ».
أكيد أن نهاية الفصل الأول ليست بطبيعة الحال نهاية القضية، ومن الآن بدأت الأعناق تشرئب، وبدا الناس أكثر تطلعا للمستقبل وكلهم أمل في أن يمكنهم ذلك من إلقاء نظرة على فصول أخرى في مقدمتها التحقيق التفصيلي المنتظر قبل متم يناير المقبل.
إنها حالة خاصة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فمن جهة لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار ما حدث عاديا، لأنه حتى في الدول التي يضرب بها المثل في مجال حرية القضاء، يجري سلك سبل تراعي مكانة المتهمين.
ومن جهة أخرى يفترض اعتباره خطوة من خطوات الألف ميل، التي اختارها المغرب. ففي القضية الحالية جرى التعامل مع ما حدث، وليس مكانة الأشخاص، فبغض النظر عن مكانة كل واحد من المتهمين أصدر قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، قرار إيداع 21 منهم السجن.
إن عدم أخذ مكانة المتهمين بعين الاعتبار والنظر بالأساس إلى التهم المتمثلة في «التزوير في محرر رسمي والمشاركة في تزوير سجل ومباشرة عمل تحكمي، والإرشاء وتسهيل خروج أشخاص من التراب المغربي في إطار عصابة واتفاق، والمشاركة في مسك المخدرات، ونقلها وتصديرها، إخفاء أشياء متحصل عليها من جنحة، التزوير في محررات رسمية وعرفية، استخدام مركبات ذات محرك »، يؤكد أن الأمر يتعلق بدولة الحق ونزاهة وحياد الأجهزة التي تعاملت مع القضية ثقيلة الوزن بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
نحن أمام تعبير صريح عن « إرادة الدولة الحقيقية في مكافحة جرائم الفساد المالي، وجرائم استغلال الصفة لارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي »، وأمام تعبير واضح وصريح عن التشبث بأن تأخذ العدالة مجراها الطبيعي، والقطع مع الاعتقاد بوجود تمييز بين الناس، لأن شعار مغرب الألفية الثالثة الحقيقي هو « لا أحد فوق القانون ».
بالأمس، تأكد لمن يخامرهم الشك أنه لم يعد في المغرب اعتبار للانتماءات ولا للوظائف، وأن البراءة لا تكفلها بعض الاعتبارات، لأن مغرب اليوم هو مغرب « ماتديرش ماتخافش ».