لقد تأسس جيش التحرير الوطني الجزائري بعد ستة أشهر من نيل المغرب استقلاله، وكانت مدينة وجدة القاعدة الخلفية لهذا الجيش إلى حدود نيل الجزائر لاستقلالها، ولعل قاعدة العربي بن مهيدي بحي كولوش، شمال شرق المدينة، شاهدة على ذلك.
دون أن ننسى أن معركة إيسلي، والتي دارت رحاها بوادي إيسلي بالقرب من مدينة وجدة المغربية في 14 غشت 1844بين جيش سلطان المغرب المولى عبد الرحمان بن هشام، بقيادة ابنه الأمير محمد والقوات الفرنسية القادمة من الجزائر بقيادة الماريشال طوماس روبير بيجو من جهة أخرى، الراغبة بوضع حد للدعم المتكرر للسلطان المغربي للمقاومة الجزائرية واحتضانه للأمير عبد القادر الذي وجد الملجأ الآمن بالمغرب والدعم من قبل سلطانه، حيث أثار ذلك فرنسا التي اتهمت المغرب بخرق معاهدة الصداقة الفرنسية المغربية، مما أدى إلى وقوع معركة إيسلي، والتي انتهت بانتصار الفرنسيين الذين فرضوا شروطا قاسية على المغرب، تمثلت بالتصديق على معاهدة طنجة المنبثقة من اتفاقية للامغنية الموقعة في عام 1845، والتي نصت أبرز شروطها على اقتطاع فرنسا لبعض الأراضي المغربية وإلحاقها بالجزائر، وفرض غرامة مالية على المغرب، وكانت هذه المعركة أولى بوادر التوغل الأوروبي وإعلان الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912.
إن التاريخ يسجل الدور الكبير الذي قامت به المملكة المغربية في سبيل نصرة أشقائنا بالجزائر رغم محاولات تزوير الحقائق من طرف إعلام العسكر الجزائري وتجاهل وتناسي الدور الفعال والمحوري لمدينة وجدة في نجاح الثورة الجزائرية.
واليوم، يكافئ جنرالات الجزائر، أبناء مدينة وجدة وهم مدنيون عزل، بالقتل الوحشي الرخيص، حيث تعرض خمسة شبان مغاربة لإطلاق الرصاص من طرف حرس الحدود الجزائري وقتل اثنين منهم بعد دخولهم المياه الجزائرية خطأ في المنطقة الفاصلة بين السعيدية ومرسى بن مهيدي، حين انطلقوا من الميناء الترفيهي للسعيدية في رحلة على متن دراجات «جيت سكي» نحو منطقة «رأس الماء» التابعة لإقليم الناظور، غير أنهم في طريق عودتهم نحو السعيدية ضلوا مسارهم وجرفتهم التيارات البحرية ودخلوا المياه الجزائرية عن طريق الخطأ، علما أن أفراد زورق تابع للبحرية الجزائرية أخذوا علما بدخول الشباب المغاربة المياه الجزائرية دون نية في ذلك، إلا أنه تم إطلاق الرصاص عليهم من طرف جنود جبناء.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، نجد أن الكثير من السباحين الجزائريين يعبرون النقطة الفاصلة بين المغرب والجزائر دون أن يستهدفهم حرس الحدود المغربي بالرصاص.
إن هذا التصرف الوحشي والهمجي يعتبر جريمة دولية مكتملة الأركان، لأن رصاص الغدر أطلق دون أي إنذار بمكبر الصوت ولا حتى إطلاق رصاصات تحذيرية كما تقتضيه الأعراف الدولية في مثل هذه الحالات، ويعتبر انتهاكا شنيعا لاتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين، مما يعرض مقترفيه ورؤساءهم للعقاب والمحاسبة على الصعيد الدولي، لأنه تم خرق قواعد القانون الدولي الإنساني وبالأخص مبدأ الإنسانية ومبدأ التناسب ومبدأ الضرورة الحربية، وكذلك مبدأ التمييز ومبدأ الحماية.
وهذه الجريمة النكراء تستهدف الحق في الحياة، الذي هو أساس الحقوق كما هو مضمن في المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهي جريمة ضد الإنسانية وقيم التسامح والجوار والتعايش السلمي، مما يفرض ضرورة محاسبة الجناة وفقا للقوانين الدولية لأن حرس الحدود انتهك كذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، حيث أنه من الواجب عليه تقديم يد المساعدة في البحر كما هو منصوص عليه في المادة 98 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
رصاص الغدر الجزائري، يفرض على المجتمع الدولي إجراء تحقيق دولي مستقل حول ملابسات ما جرى وأن يحال المسؤولون عنه أمام القضاء الدولي. دم الشهداء يسائلنا جميعا...