بنطلحة يكتب: الدخان والمرايا

محمد بنطلحة الدكالي

في 28/09/2025 على الساعة 20:20

مقال رأي«الدخان والمرايا» (Smoke and Mirrors)، تعبير يستخدم للإشارة إلى الحيل التي تهدف إلى إخفاء الحقيقة من خلال تشتيت الانتباه أو التضليل، وهو يهدف إلى تشكيل الوعي العام وتحويل الوهم إلى واقع حقيقي معتمدا على ضجة إعلامية حول أفكار غير قابلة للتنفيذ.

خارج المجال السياسي، يرتبط مصطلح «الدخان والمرايا» عادة بالألعاب السحرية، حيث يحتاج السحرة، خاصة المبتدئين، إلى الكثير من الدخان والمرايا لتشتيت انتباه الجمهور ومنعهم من اكتشاف الحيل السحرية التي تعرض على السيرك.

ولأن السحر أنواع؛ هناك من ارتدى قناع «الدون كيشوت» وبدأ يصارع طواحين الهواء.

كلنا يتذكر تصريح الرئيس تبون بأنه ينوي دخول غزة فاتحا لو أن مصر تركته يعبر إلى هناك بجنوده…! وأنه مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، وأن مسار التطبيع بمثابة هرولة مرفوضة، مذكرا بمواقف الجزائر الثابتة والدائمة من القضية الفلسطينية، كما شدد على ضرورة محاسبة إسرائيل على جرائم الإبادة والحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ما فتئت تقترفها في حق الشعب الفلسطيني. وفي حوار تلفزيوني (أكتوبر 2020) صرح تبون بأن «هناك أنواع من الهرولة للتطبيع، ونحن لن نباركها، والقضية الفلسطينية بالنسبة لنا ستظل قضية مقدسة».

في ظل هذا الدخان الديماغوجي والإعلامي الرهيب القادم من بلاد «مكة الثوار»، نجد أن الجزائر تحتل المرتبة الرابعة بين الدول العربية الأكثر تصديرا لإسرائيل.

ونجد أن صادرات الجزائر من إسرائيل في 2020 ارتفعت لتصل 9,77 مليون دولار، ثم واصلت ارتفاعها في سنة 2021 لتصل إلى 14,9 مليون دولار.

لقد ذكر مركز التقعيد الاقتصادي المتخصص في التجارة الدولية، في تقرير له، أن «الجزائر تحتل المرتبة الرابعة، بعد الإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر، في ترتيب البلدان العربية الأكثر تصديرا لإسرائيل»، وكشف المركز التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، عن مبادلات تجارية موثقة بين الجزائر وإسرائيل منذ عام 2017، تتجاوز قيمتها 30 مليون دولار.

ووفق الأرقام ، فإن الجزائر صدرت إلى إسرائيل منتجات بقيمة 30,5 مليون دولار، وتصدرت شحنات «الهيدروجين» تلك البضائع، وذلك في إطار الصادرات الطاقية للجزائر الغني بالنفط والغاز الطبيعي.

ويعد مرصد التعقيد الاقتصادي OEC منصة موثوقة في مجال البيانات التفصلية للتجارة الدولية، بفضل شبكته الواسعة التي تغطي 500 موقع في العالم، و5000 مُنتج، بالإضافة إلى حصولها على بيانات.

وكشفت إحصائيات قاعدة بيانات الأمم المتحدة لإحصاءات تجارة السلع الأساسية (UN Comtrade) التي نشرها موقع «ترايدينغ إيكونوميكس» العالمي، العام المنصرم، أن «صادرات الجزائر من إسرائيل في 2020 ارتفعت لتصل 9,77 مليون دولار، ثم واصلت ارتفاعها في سنة 2021 لتصل إلى 14,9 مليون دولار، وهي السنة التي كانت الجزائر قد وجهت فيها انتقادات كثيرة للمغرب على خلفية تطبيعه للعلاقات مع إسرائيل بدعوى أن تلك الخطوة تُشكل استهدافا لها».

وبالرغم من ذلك، فإن الصادرات الجزائرية نحو إسرائيل لم تتوقف عن الارتفاع، حيث قفزت لتتجاوز 21 مليون دولار في عام 2022.

وحسب «UN Comtrade»، فإنه بالنسبة «للمواد التي تتصدر أبرز الصادرات الجزائرية نحو إسرائيل، يتعلق الأمر بالمواد الكيماوية العضوية، ومركبات المعادن النادرة».

إنها حرب على الوعي الذي قد يتعرض لمحاولة تزييف، خاصة في البلدان الشمولية من أجل السيطرة على الوعي الجمعي في سبيل إنتاج وعي مزيف تدعمه بقوة آلة إعلامية رهيبة ووسائل التواصل الاجتماعي ومحترفي الإشاعة. حيث يتلقف الفرد سلسلة من المعلومات من أجل تزييف الواقع.

إن الحرب على الوعي تأتي ضمن سياق التحكم في أفكار وسلوكات الجماهير والسيطرة على العقول.

ومن بين الحروب على الوعي ذات التأثير الكبير في واقعنا، تلك الخطابات السياسية العصماء لبعض قادة الدول، والتي تهدف إلى شن حملات على الذاكرة وحملات التأثير، وهي من أنواع الحروب الحديثة التي تندرج في إطار الحرب النفسية، ومن أهم أساليبها القفز على الحقائق الموجودة على أرض الواقع وخلق قصص بالية وتزييف الوقائع وتحريفها والمبالغة في التمسح بالقيم الإنسانية والأخلاقية.

يأخذ هذا النوع الجديد من الدعاية الشعبوية أشكالا مختلفة تمثل استمرارا للسياسة، لكن بوسائل أخرى، كما قال كلاوزفيتز، وعلى الرغم من أن الحقيقة متاحة على نطاق واسع، إلا أنه يمكن طمرها في قعر بحر من الأكاذيب والتضليل.

أصل هذا الكلام خطاب الرئيس الجزائري تبون أمام البرلمان الجزائري، حيث انبرى يسوق للشعب المغلوب على أمره مجموعة من العروض الفلكلورية وكأن الجزائر حديثة العهد بالاستقلال من قبيل تسويقه للشعب الجزائري الشقيق التزامه «إطلاق الحوار السياسي الوطني» وإعادة بناء دولة الحق والقانون وإرساء دعائم التنمية الاقتصادية... ومجموعة من السخافات والترهات...

آخر المستجدات، إعلان الرئيس الجزائري أن الجزائر توجد ضمن مجموعة العشرين، مؤكدا أنه سيحضر قمة المجموعة (G20)، وهو النادي الحصري لأقوى عشرين اقتصادا في العالم.

إنها حرب إعلامية قذرة يقوم بها النظام الجزائري من أجل بث الإشاعات والمعلومات الخاطئة والمغلوطة للتأثير في نفسية الشعب الجزائري المغلوب على أمره، وبيع الوهم له، وسلب الإرادة منه، حيث أن النظام العسكري الجزائري يحاول أن يسوق الوهم والأكاذيب، خاصة وأن حكامه ألفوا التوظيف السياسوي للأساطير وتعمد صناعتها من أجل تحقيق أهداف إيديولوجية معينة،

ونشهد شخصنة للسلطة، وشخصنة للقرار العام، واحتواء للنخب، والتي تحولت فيها مختلف السياسيات والقرارات العامة إلى مجرد قرارات سياسوية تتحكم فيها أهداف توسعية زادت من حدتها، التطلعات الاستراتيجية نحو الزعامة، مع العلم أن «الجيوسياسة الميتافيزيقية»، هي التي ترتكز على الأوهام وإذكاء النعرات، وتضخيم الأنا وتمجيد الذات (الجزائر وما أدراك ما الجزائر..)، والجري وراء المصالح الضيقة، بدل مفهوم العمل المشترك الذي يستمد مقوماته من «الجيوسياسة الواقعية»، والذي تطبع لغة مقاصده، مقومات من قبيل التدرج في البناء، والواقعية في الإنجاز، والاعتراف المتبادل بسيادة كل دولة وسلامة أراضيها.

وهذا الرهان، هو رهان سياسي ومجتمعي، ينتصر للقيم الديمقراطية ولدولة المؤسسات، يبتعد عن المزاجية والشخصنة وأوهام الزعامة الإقليمية، تقوده نخب مستقلة حرة، وصانعة لاختياراتها، تحكمها رؤية، ويحكمها ضمير ويحكمها وعي تاريخي، واستشراف مستقبلي... إن الأمر يتطلب تجديدا للأشخاص، وللمقولات والأفكار التي تبحث عن زعامة زائفة واستيعاب هذه اللحظة التاريخية والاستجابة لنبض التاريخ والمجتمع، وأن تكون لها الشجاعة لتلعب دورها كاملا في بلورة وصنع القرار أو التأثير فيه، لأن رهاننا الأكبر تنمية شعوب المنطقة.

تحرير من طرف محمد بنطلحة الدكالي
في 28/09/2025 على الساعة 20:20