إن الموقف الأمريكي من مقترح الحكم الذاتي المغربي يعود إلى مطلع الألفية الحالية، ويجري تأكيده في كل المناسبات، وجرى تعزيزه بالاعتراف التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه.
رغم أن القرار التاريخي الذي أصابهم في مقتل يعود إلى ثلاث سنوات، يحرك خصوم الوحدة الترابية آلتهم، التي عفا عنها الزمن، للترويج للأكاذيب عبر الحديث عن تغير الموقف الأمريكي، متناسين أن الأمر يتعلق بقرار دولة، سلك مسلك الديمقراطية المعمول بها في هذا البلد، وليس كلام من ينطق عن الهوى ويحاول أن يضفي عليه المصداقية.
يخيل إلى قيادة الجارة الشرقية أنها حين تروج للأكاذيب تربك حسابات المغرب وتزعزع موقفه الثابت، لكن المغرب يواجهها برباطة جأش مستمدا تماسكه من صلابة الجبهة الداخلية، وأيضا من الإشعاع الدولي لمخطط الحكم الذاتي، الذي تصفه الولايات المتحدة الأمريكية بكونه «جادا وذا مصداقية وواقعيا»، فضلا عن انفراط عقد الدول التي انساقت سابقا وراء آلة التضليل واكتشفت أن المغرب على صواب.
الأكيد أن مناصب المسؤولين في الإدارة الأمريكية تغيرت، لكن الالتزام بالتعهدات لم يتغير بل إنه يتعزز، وجاء تصريح ماثيو ميلر، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، في هذا السياق إذ أكد خلال لقاء صحفي في واشنطن، الدعم الكامل للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة « خلال عمله على تكثيف العملية السياسية الجارية تحت إشراف الأمم المتحدة حول الصحراء، من أجل التوصل، دون مزيد من التأخير، إلى حل دائم » للنزاع الذي يطيله الخصوم عبر تشغيل الأسطوانة المشروخة، التي لم يعد أحد يضيع وقته بالاستماع إليها.
لم يعد للعالم وهو يعرف الحقائق وقت يضيعه، مع جهات تهدر الزمن وتراهن عبثا على عامل الوقت لتطيل أمد النزاع، الذي يعرقل اتحاد المغرب العربي، وأيضا حلم الوحدة الحقيقية للقارة الإفريقية، ويحرج دول القارة السمراء أمام العالم، ولنا في عرقلة القمة السعودية الإفريقية التي كان مزمعا عقدها في الرياض خير مثال.
إن الجزائر وصنيعتها لا تتصيدان أنصاف الفرص كما درجنا على القول، بل إنهم يحاولون باستمرار صناعة الفرص من عدم. ورغم أنه أسقط في أيديهم في الكثير من المناسبات، فإنهم لا يتراجعون عن غيهم مثل غريق يعرف أن الغرق مآله لا محالة ومع ذلك يمسك بقشة يعلم مسبقا أنها ليست طوق النجاة.
مثلما قبل الانفصاليون أن يظلوا لعبة في يد الطغمة العسكرية التي تغدق عليهم العطاء على حساب أبناء الشعب الجزائري، انساق إعلاميون معروفون وراء الادعاءات الجزائرية طمعا في كرم يضرب أخلاقيات المهنة بعرض الحائط، واختاروا أن تتحول منابرهم إلى أبواق للترويج للأوهام.
كان لأكاذيب هذه الفئة نصيبها من الدحض، الذي يتغيى ردها عن غيها، ويأتي حديث ماثيو ميلر عن زيارة إليزابيث مور أوبين، سفيرة الولايات المتحدة في الجزائر، إلى تندوف أخيرا مشيرا إلى أنها « تندرج في إطار زيارة نظمتها الأمم المتحدة، وجمعت عددا كبيرا من المانحين الدوليين مذكرا بأن الولايات المتحدة تعد أكبر مساهم في الجهود الإنسانية عبر العالم ».
إن تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية يفند الادعاءات التي رافقت تلك الزيارة، وكأن السفيرة الأمريكية توجهت إلى تندوف بمفردها وبرغبة شخصية، ورغم أن السفيرة إليزابيت شرحت دواعي تلك الزيارة في حينها، صمت الآلة الدعائية الجزائرية آذانها عن الحقيقية، وواصلت الترويج للأكاذيب والإيحاء بأنها مؤشرات لتغيير الموقف الأمريكي، وألمحت إلى لقاء « قيادات الجماعات الانفصالية ».
إننا لا نراهن على تراجع خصوم الوحدة الترابية للمغرب وآلتهم الدعائية عن الأكاذيب، لأنهم درجوا على التضليل، واختلاق القصص التي لا يطول عمرها، لأنها من قبيل كلام الليل الذي يمحوه النهار.
نحن بصدد أشخاص يصدقون أكاذيبهم ويكذبون الحقائق، وطالما أن أطروحتهم بينت على باطل، وظلوا متشبثين بها حوالي نصف قرن، كأنهم ملقحون ضد الحياء والخجل، وتأسيسا على ما سلف ذكره نراهم يكذبون مثلما يتنفسون، ولا توقفهم التكذيبات التي تتساقط فوق رؤوسهم من كل جهات العالم وبكل اللغات، لأنها وإن كانت تدمي الرؤوس فمن العبث انتظار تأثيرها على ضمائر فارقت الحياة.