كزافيي دريانكور يكتب: باريس – الجزائر: التصعيد

كزافيي دريانكور

في 19/08/2025 على الساعة 16:00

مقال رأيإنها بلا شك أخطر أزمة بين باريس والجزائر منذ عام 1962؛ أزمة عميقة، مستمرة، وستترك آثارا أكبر بكثير من سابقاتها… فلا يمكن القبول بتدخل الجزائر الدبلوماسي في السياسة الخارجية الفرنسية: هذه الأزمة وُجدت بسبب الجزائر التي أرادت أن تُملي على فرنسا توجهاتها في السياسة الخارجية، خصوصا ما يتعلق بموقفها من قضية الصحراء الغربية.

ألن تتوقف هذه الأزمة أبدا؟لقد مر عام كامل منذ اندلاع الأزمة بين فرنسا والجزائر. فكما نذكر، فإن فرنسا، من خلال رسالة بعث بها رئيس الجمهورية إلى ملك المغرب بمناسبة عيد العرش يوم 30 يوليوز 2024، كانت قد أيدت الموقف المغربي بشأن الصحراء الغربية.

وخلال عام واحد فقط، تصاعدت الأزمة العميقة والدائمة بين البلدين بشكل متسارع. فمتى وكيف ستتوقف؟

  • في 31 يوليوز، أي في اليوم الموالي للقرار الفرنسي، تم استدعاء السفير الجزائري في فرنسا للتشاور في الجزائر. ومنذ ذلك الحين لم يعد يمثل الجزائر في فرنسا سوى قائم بالأعمال؛
  • سرعان ما بدأت الجزائر ترفض بشكل منهجي إعادة قبول رعاياها المقيمين بصفة غير قانونية؛
  • ثم امتنعت القنصليات الجزائرية عن إصدار تصاريح مرور قنصلية لهؤلاء الجزائريين غير النظاميين، رغم أنها تواصل منحهم جوازات سفر؛
  • في أكتوبر، شنّت الجزائر حملة إعلامية وقضائية ضد الكاتب كمال داود، معتبرة إياه مذنبا لأنه حصل على جائزة غونكور؛ ثم أصدرت لاحقا مذكرة توقيف دولية بحقه؛
  • في 16 نوفمبر، جاء الدور على الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال الذي تم اعتقاله فمحاكمته وسجنه في الجزائر؛
  • في يناير الماضي، نشرت مجموعة من ما يُسمون « المؤثرين » الموالين للنظام رسائل كراهية ضد فرنسا عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ وحتى بعض حاملي الجواز الجزائري تعرضوا للترحيل عند وصولهم إلى الجزائر، رغم أنهم كانوا موضوع قرارات ترحيل (OQTF)؛
  • في ماي، وبعد مقابلة أجراها الرئيس الجزائري مع صحيفة L’Opinion، زار وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو الجزائر في ظروف وُصفت بالمهينة، لكنه تحدّث رغم ذلك عن « تطبيع » سريع للعلاقات؛
  • في الأسبوع الموالي، وفي خطوة أرادت بها الجزائر إذلال وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، قامت بطرد ممثلي وزارة الداخلية الفرنسية (DGSI وخدمة التعاون الدولي)؛
  • ردا على ذلك، طردت فرنسا 15 دبلوماسيا جزائريا من أراضيها؛
  • في هذه الأثناء، حُكم على بوعلام صنصال بالسجن عشر سنوات، دون أن يُسمح لمحاميه بالتوجه إلى الجزائر لأنه ينحدر من عائلة يهودية وهرانية؛
  • تم استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر للتشاور، ومنذ ذلك الحين تمثلت فرنسا في الجزائر بقائم بالأعمال فقط؛
  • في 24 يونيو، وفي مرحلة الاستئناف، وخلافا لرأي النيابة العامة، ودون حضور محامٍ رغم تغييره لمحاميه، حُكم على بوعلام صنصال بخمس سنوات سجنا، وهو ما يُعتبر عمليا حكما بالمؤبد نظرا لسنّه؛
  • خلال هذه الفترة، لم تبق الجزائر مكتوفة الأيدي، بل قامت سفارتها في باريس بمحاولات اعتداء وخطف ضد معارضين سياسيين جزائريين (مثل أمير بوخرص وعبدو سمّار)؛
  • وإدراكا منه أن سياسته المتساهلة مع الجزائر لا تؤدي إلى نتيجة، بل تشكل خطأ، وجّه الرئيس ماكرون رسالة إلى رئيس وزرائه، نشرها الإليزيه في وقت مدروس، داعيا فيها إلى التشدد أكثر تجاه الحكومة الجزائرية، معلنا ثلاثة قرارات: تجميد اعتماد ثمانية قناصل جزائريين جدد، إنهاء العمل بالاتفاقية الفرنسية-الجزائرية (2007 والمعدلة 2013) التي تُعفي حاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية من التأشيرة، وعدم منح تأشيرات إقامة طويلة الأمد للجزائريين؛
  • بطبيعة الحال، أثارت هذه القرارات غضب الحكومة الجزائرية التي استدعت القائم بالأعمال الفرنسي وأعلنت سلسلة من الإجراءات الانتقامية؛
  • وأخيرا، في 9 غشت، أصدرت باريس مذكرة توقيف دولية بحق السكرتير الأول لسفارة الجزائر في باريس والقنصل المساعد في كريتاي، بتهمة اختطاف واحتجاز أمير بوخرص.

«لا يمكن القبول بتدخل الجزائر الدبلوماسي في السياسة الخارجية الفرنسية: فهذه الأزمة وُجدت لأن الجزائر أرادت أن تفرض على فرنسا مواقفها، خصوصا في ملف الصحراء»

—  كزافيي دريانكور

هنا نقف اليوم. فشل لفرنسا، لكن أيضا، ولنقلها صراحة، فشل للرئيس الجزائري.

فشل لفرنسا أولا، لأن الرئيس ماكرون، منذ 2017، بنى كل علاقته مع الجزائر على فكرة أنه، لكونه لم يعش حرب الجزائر ولم يرث عقدة أسلافه في الإليزيه، سيكون قادرا على تحقيق مصالحة مع الجزائر. كان يريد أن يحقق مع الجزائر ما حققه ديغول مع أديناور. ربما تأثر ببنيامين ستورا الذي أقنعه بأن عبد المجيد تبون شريك يمكن التعامل معه، فسعى لإرضاء الجزائر عبر سياسة « ذاكراتية » نشيطة. اليوم يتضح له ولبلاده فشل هذه السياسة.

لكنه أيضا فشل للرئيس الجزائري. فهذا الأخير حاول طوال أشهر إظهار نفسه كمن يميز بين رئيس الدولة الفرنسية من جهة، و« الحنين إلى الجزائر الفرنسية » و« المتطرفين » الممثلين في وزير الداخلية برونو ريتايو من جهة أخرى. لكن تخلي ماكرون عن خط بارو « المتصالح » واقترابه من خط الحزم الذي تمثله وزارة الداخلية الفرنسية، شكل هزيمة لتبون الذي كان يظن أن ماكرون لن يتخلى عنه.

في الختام، فإن هذه الأزمة تلهمني ثلاث ملاحظات:

  • إنها بلا شك أخطر أزمة بين باريس والجزائر منذ 1962؛ أزمة عميقة، مستمرة، وستترك بصماتها أكثر من كل سابقاتها؛
  • إلى جانب تبعاتها الدبلوماسية والسياسية على البلدين، فإن تبون بسياساته حقق شيئا واحدا: تشويه صورة الجزائر والجزائريين في فرنسا، بعمق وبشكل قد يكون دائما. وهو لا يدرك أنه بذلك يُسيء لشعبه، الذي لا يستحق ذلك. فمن ذا الذي سيكنّ الاحترام لنظام كهذا، وللأسف، بالتمديد، لشعب بأكمله؟
  • لا يمكن القبول بتدخل الجزائر الدبلوماسي في السياسة الخارجية الفرنسية: فهذه الأزمة وُجدت لأن الجزائر أرادت أن تفرض على فرنسا مواقفها، خصوصا في ملف الصحراء. بعبارة أخرى، تريد الجزائر أن تمنح نفسها حق مراقبة السياسة الخارجية الفرنسية، وهو ما لا يمكن لأي دولة أن تقبله.
تحرير من طرف كزافيي دريانكور / دبلوماسي فرنسي
في 19/08/2025 على الساعة 16:00