هكذا تحولت المخيمات إلى سجن مفتوح تمارس فيه أبشع أنواع الظلم والاستبداد التي أصبحت تطال الشيوخ والشباب كما تطال النساء والأطفال، حيث يمارس الاختطاف والتعذيب والقتل وتجنيد الأطفال واغتصاب النساء وممارسة العبودية في انتهاك تام لمبادئ القانون الدولي، حيث فوض حكام الجزائر صلاحيات سيادية لمجموعة مسلحة، وذلك بالرغم من أن لجنة حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة وفريق العمل الأممي حول الاختفاء القسري، أكدوا عدم قانونية تفويض الجزائر لصلاحياتها للبوليساريو، وطالبوها بوضع حد لهذه الوضعية لأنها تخل بواجباتها القانونية والأخلاقية تجاه المحتجزين فوق ترابها المكفولة بقوة القانون.
والطامة الكبرى أن جلادي البوليساريو مازالوا يتسترون على ظاهرة «العبودية» التي مازالت تنتشر في صفوف قادتهم وأزلامهم، لقد سمع العالم كله نداء شاب يدعى «سالم ولد عابدين» الذي أكد أنه منع من التمتع بوثائقه الثبوتية والتسجيل باسم والده الحقيقي من طرف «سيده» أي «الشخص الذي يستعبده»، وأوضح أنه تعرض للتهديد بالقتل من طرف الشخص الذي «يستعبده»، وأن على والده الحقيقي أن يدفع المال مقابل تحريره، وفق شهادته.
إن شهادة هذا الشاب هي واحدة من مئات الحالات المعروفة والكثيرة بالمخيمات، والتي سبق أن تطرق لها الشريط الوثائقي «المسروق»، والذي هو من إنتاج أسترالي.
لقد سبق لهذا الشريط أن عرض مجموعة من الشهادات حول معاناة العديدين من العبودية، وشارك في مهرجان «ملبورن» السينمائي الدولي رغم محاولات عديدة من أجل منع عرضه من طرف البوليساريو وحاضنيهم حكام الجزائر.
إنه وأمام هذا الوضع اللاإنساني الذي يرجع إلى القرون الوسطى، من الواجب على المنظمات الحقوقية الدولية والهيئات الإنسانية أن تقوم بتحقيق عاجل في الموضوع تحت جميع الضمانات التي يكفلها القانون، وأن تقوم بترتيب الجزاءات ضد المستعبدين، وأخذ ضمانات بعدم المس بهذه الفئة وتمكينها من حقوقها الكونية، وتسليم ومتابعة المسؤولين أمام المؤسسات القضائية الدولية.
ويجب على المنتظم الدولي أن يفتح تحقيقا في عملية الاختلاس للمساعدات الإنسانية المخصصة لمحتجزي تندوف،والتي مافتأت العديد من الهيئات والمنظمات تفضحها لدى المجتمع الدولي لسنوات عديدة.
لقد وثق برنامج الأغذية العالمي بشكل لا لبس فيه، عملية تحويل وبيع المواد الغذائية المتأتية من المساعدات الإنسانية وأعرب عن قلقه إزاء عدم تسجيل وإحصاء سكان مخيمات تندوف، كما أن المكتب الأوروبي لمكافحة الغش التابع للاتحاد الأوروبي كان قد سجل في تقرير نشره في 2015 أن عملية تحويل المساعدات الإنسانية الممنوحة للصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري تتم بشكل ممنهج ولأكثر من أربعة عقود.
ونجد أنه في عام 2021 لفت تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الانتباه إلى اختلاس أموال ومساعدات غذائية موجهة للساكنة المحتجزة من قبل البوليساريو، كما أن جميع قرارات مجلس الأمن منذ 2011، تطالب الجزائر بالموافقة على إحصاء ساكنة مخيمات تندوف بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني، مع العلم أن قرار مجلس الأمن 2654 (في الفقرة 23 من الديباجة)، حث مجددا الجزائر على «تسجيل ساكنة مخيمات تندوف على النحو المفروض».
أمام هذا الوضع الكارثي، تشهد مخيمات تندوف بالجزائر خلال الأشهر الأخيرة اشتباكات خطيرة بين مجموعة من الصحراويين المحتجزين وقيادة عصابة البوليساريو، نذكر منها «انتفاضة» فخذ «البيهات» (المنتمي لقبيلة الركيبات) والتي أدت إلى اعتقال العشرات من أفراد هذه القبيلة في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي وبتوصيات الآليات الأممية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية الدولية، حيث يزج بالعديد من المحتجزين في سجن «الذهيبية» سيء الذكر، بل منهم من قضى نحبه أثناء الاحتجاز مثل محمد سالم نافعي.
أمام هذه الاحتجاجات المتواصلة، حاولت عصابة البوليساريو تطويقها عن طريق الترغيب والترهيب، لكن نجد أن رياح العاصفة أقوى منها، حيث أصبحنا أمام انتفاضة شعبية، إذ انضم فخذ «السواعد» (المنتمي لقبيلة الركيبات) إلى مجموعة من القبائل «المنتفضة»، وتطورت المواجهة لتصبح بالسلاح بعد الهجوم على مركز بالناحية العسكرية الثانية ومصادرة أسلحته وتدمير وإحراق السيارات وبعض المراكز لما يسمى «الدرك الصحراوي»، رافقتها دعوات إلى الاحتجاج بلا هوادة والمطالبة بالعودة الجماعية إلى المغرب هروبا من جحيم تندوف.
إن المجتمع الدولي ملزم بتحمل مسؤوليته القانونية والأخلاقية تجاه ما يقع من تجاوزات من طرف جلادي البوليساريو وحاضنيهم حكام الجزائر، وأن يردع هؤلاء بحزم وبقوة القانون، حتى لايتمادوا في التنكيل والتعذيب في حق المحتجزين، وأن يقف المجتمع الدولي مع هؤلاء المحتجزين حتى يتحرروا من قبضة هذه العصابة التي تجاوزت كل الأعراف والقوانين،كما يجب إجراء تحقيق فوري وشامل، يترتب عنه تطبيق جزاءات في حق هؤلاء المخالفين لقواعد القانون الدولي الإنساني.