وقد رحبت ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية بهذا القرار مؤكدة دعم بلادها لمخطط الحكم الذاتي المغربي كحل مقبول سياسيا، كما رحب ممثل الصين بهذا القرار الذي من شأنه تعزيز التسوية السياسية وفق القرارات الأممية، في حين جدد ممثل فرنسا دعم باريس لمخطط الحكم الذاتي المغربي الذي وضع على الطاولة منذ سنة 2007 معتبرا أن » الوقت قد حان للانطلاق فيه ».
وقد سار في نفس الاتجاه ممثل الغابون والإمارات العربية المتحدة.
هكذا صوتت كل من الصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وألبانيا والبرازيل والإكوادور والغابون وغانا واليابان ومالطا وسويسرا والإمارات العربية المتحدة على القرار بالإيجاب، في حين امتنعت روسيا والموزمبيق نتيجة اعتبارهما القرار غير متوازن.
إن الموقف الروسي لم يكن مفاجئا، ويجب أن نقرأه في سياقه العام، لأنها سبق أن تحفظت من خلال الامتناع عن التصويت السنة الماضية، وهو موقف لا يناقض المقاربة الأممية التي تؤيد الحكم الذاتي، بقدر ما هو ضد استفراد واشنطن بصياغة القرار باعتبارها صاحبة القلم كما أن الظرفية الجيوسياسية العالمية جعلت روسيا تصوت بالامتناع عن التصويت في كثير من القرارات الأخيرة لمجلس الأمن، علما أن كثيرا من المواقف الروسية تظهر أن هناك اعترافا غير مباشر بمغربية الصحراء.
إن الاستثناء يكمن في دولة الموزمبيق التي كان لها رأي آخر يخالف الإجماع الدولي..!! حيث تحفظت في بداية الأمر على مسودة القرار مطالبة بـ »إقرار مبدأ تقرير المصير عبر الاستفتاء، وتنفيذ كامل لصلاحيات بعثة المينورسو إلى جانب التمييز بين أطراف النزاع »، وبعد عملية التصويت أوضح ممثل هذه الدولة أن بلاده امتنعت عن التصويت لأنها ترى أن القرار الحالي لن يساعد في الدفع بالعملية السياسية.. مؤكدا أن قرار موزمبيق عدم التصويت يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة حيث ينبغي لكل الشعوب أن تقرر مصيرها بشكل غير قابل للتصرف.
إقرأ أيضا : الصحراء.. مجلس الأمن يمدد ولاية بعثة المينورسو لمدة عام
هاته الموزمبيق، التي تقع على المحيط الهندي في الجنوب الشرقي من قارة إفريقيا والتي تعد واحدة من الدول الأكثر فقرا في العالم، ينخر الانفصال جسدها المنهك أصلا.
لقد عانت من حرب أهلية بعد الاستقلال جراء الإرث الاستعماري وطريقة ترسيم الحدود ومشكلة الاندماح الوطني والهيمنة السياسية لحزب فريميلو، وتبني إيديولوجية ماركسية لينينية، حيث تتسم موزمبيق بتعددية إثنية ولغوية ودينية لأنه يوجد بها سبع جماعات رئيسية كبرى بالإضافة لجماعات أخرى صغيرة وحوالي عشر لغات محلية.
لقد واجهت المقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو) الفساد والاستبداد والتمييز العرقي في حرب أهلية طاحنة أدت إلى مقتل مليون شخص عام 1992، وبعد مخاض عسير أصبحت حركة « رينامو » التي كانت تنادي بالانفصال حزبا سياسيا إثر توقيع اتفاق سلام.
هذا الاتفاق لم يكرس الاستقرار السياسي المنشود، حيث برزت التنظيمات الدينية المتطرفة التي سيطرت على الشمال وعملوا على تأسيس نظامهم السياسي الخاص داخل الدولة مما أدى إلى تأجيج الوضع من جديد مخلفا العديد من القتلى والنازحين، مما حدا بحكومة الموزمبيق على التعاقد مع شركات قتال خاصة أهمها الروسية Wagner والجنوب إفريقية Dyck Advisory، كما تم استدعاء شركات أخرى بناء على طلب الشركات النفطية، حيث ازدحمت أراضي الشمال بالمقاتلين النظاميين والمتعاقدين.
إقرأ أيضا : الصحراء المغربية.. المغرب يشيد بتبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2703
هكذا نلاحظ أن الموزمبيق الحكيمة والمناصرة لتقرير مصير الشعوب تعاني هي أصلا من الانفصال.. لقد كان حريا بممثلها في مجلس الأمن الدولي وهو الذي أرغموه على شرب لبن السباع.. أن يخجل من نفسه وهو يتحدث عن تقرير المصير والاستفتاء ومجموعة من الهلوسات والترهات، وأن يفتينا وهو رجل الدولة الحكيم في تقرير المصير للمناطق الساحلية شمال شرق موزمبيق حيث سيطر المتشددون مرارا على بلدة » بالما » وأعلنوها عاصمة لهم بما في ذلك ميناء « موكيمبوا دابرايا ».
إن دولة جنوب إفريقيا التي تحد دولة موزمبيق من الجنوب الغربي، تبدو متوغلة في هذا البلد من خلال مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية والتي تضم ست عشر بلدا، حيث تتمتع فيها جنوب إفريقيا بنفوذ سياسي واسع لأنه سبق أن منعت الحكومة الموزمبيقية حضور وفد مغربي من المشاركة في اجتماع للمؤتمر الدولي لطوكيو حول تنمية إفريقيا « تيكاد » عقد في « مابوتو » خلال شهر غشت 2017 وذلك بعد احتجاجه على حضور مرتزقة البوليساريو، علاوة على ذلك فقد صوتت الموزمبيق ضد عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي.
ورغم ذلك.. جرت مياه خجولة تحت جسر العلاقات بين البلدين، مما أعطى انطباعا بفتح آفاق جديدة بالرغم من حركة المد الجزائري/ الجنوب إفريقي الذي يعاكس التيار.. لكن تبقى منارة المغرب شامخة لا يهددها إعصار، تنير الطريق لكل التائهين وحتما سترسو في مرافئها الآمنة كل السفن التائهة... والأيام بيننا...