تعد الدار البيضاء سطات، الجهة الأكثر كثافة سكانية والأكثر دينامية اقتصادية في المغرب، مسرحا للعديد من التحولات الحضرية والصناعية والبيئية. ولفهم التحديات والمشاريع التي ستحدد مستقبلها، التقينا بعبد اللطيف معزوز، رئيس مجلس جهة الدار البيضاء-سطات.
هذا السياسي المتمرس والملتزم بالتنمية الترابية يقود منذ سنوات سياسة تهدف إلى تحسين الإطار المعيشي للمواطنين، وتعزيز التنقل، والتدبير المستدام للموارد المائية، وتطوير الجاذبية الاقتصادية للجهة.
في هذا الحوار، يشرح بالتفصيل المشاريع الرئيسية الجارية والمبرمجة في المستقبل، بالإضافة إلى الاستراتيجية التي تقوي ريادة الجهة وطنيا وقاريا.
Le360. ما هي المحاور الكبرى للتنمية ذات الأولوية لجهة الدار البيضاء-سطات؟
عبد اللطيف معزوز: نتوفر على عشر محاور استراتيجية، ولكن يمكن تصنيفها ضمن ثلاثة محاور رئيسية. يتعلق المحور الأول بتحسين الإطار المعيشي لمواطني الجهة، سواء كانوا يعيشون في المجال الحضري أو القروي. تتمتع الجهة بمزايا كبيرة مرتبطة بموقعها وتاريخها ومساهمتها في الناتج الداخلي الخام الوطني وتنوع أنشطتها الاقتصادية. لكن نقط القوة هاته لها كلفة: فهي الجهة الأكثر عرضة للتلوث، وتعاني من ازدحام مروري خانق، خاصة في قلب المدينة، وتواجه أعلى ضغط مائي في البلاد.
ماذا تقصد بـ«تحسين الإطار المعيشي»؟
عندما أتحدث عن تحسين الإطار المعيشي، فأعني بذلك اتخاذ إجراءات على عدة محاور: ضمان توفر المياه في ظروف جيدة، والاهتمام بالبيئة والحد من مصادر التلوث.
جميع إجراءاتنا محكومة بالتزامنا بالاستدامة، بغض النظر عن المجال المعني. خلال السنوات الثلاث الماضية، انخفض مستوى التلوث في الدار البيضاء الكبرى، وكذلك في المدن المجاورة، انخفاضا ملحوظا.
وفي هذا الصدد، نحن نسير على الطريق الصحيح لتحقيق أهدافنا.
ما هي الإجراءات التي تتخذونها لتحسين التنقل؟
فيما يتعلق بالتنقل، فإن أولويتنا هي ضمان تنقل سلس وآمن ومتاح للمواطنين، سواء من الناحية المالية أو الزمنية.
ونولي اهتماما خاصا لتنقل المرأة، إذ نلاحظ أن العديد من النساء ما زلن يواجهن صعوبات في الوصول إلى العمل بسبب مشاكل النقل.
ما هو المحور الاستراتيجي الثاني؟
يهم المحور الثاني التنمية المندمجة لجميع مناطق الجهة. نستثمر بكثافة، ويمكن للمواطنين أن يلمسوا النتائج في الدار البيضاء، والنواصر، ومديونة، والمحمدية، وبن سليمان، وبرشيد، وسطات.
والهدف هو تحسين الشروط المعيشية بشكل مستدام، في المجال الحضري والقروي على حد سواء، من خلال ضمان بيئة معيشية كريمة تتماشى مع طموح المغرب بسرعة واحدة، كما يريده جلالة الملك.
وما هو المحور الثالث؟
المحور الثالث هو الطموح. تعد جهتنا الأهم في المملكة، اقتصاديا وديموغرافيا، وتتبوأ مكانة ريادية على المستوى القاري.
نسعى إلى ترسيخ هذه الريادة في أفريقيا، وتعزيز دورنا كجهة رائدة على المستوى الوطني.
ما هي أبرز الأوراش في مجال البنيات التحتية والنقل الجارية حاليا في الدار البيضاء الكبرى؟
أولا، البنية التحتية للطرق، وهي أساسية لضمان انسيابية التنقل. نستثمر بكثافة في مرافق رئيسية كالأنفاق والبدالات الكبرى في شمال وجنوب الدار البيضاء، في المحمدية وسيدي معروف وبوسكورة. والهدف واضح: تخفيف الازدحام المروري، وبالتالي الحد من التلوث.
ما هي الأشغال المتعلقة بمشروع ملعب الحسن الثاني الكبير في بنسليمان؟
نعمل على جميع المحاور لتلبية متطلبات الفيفا: مدة سفر قصوى تبلغ 20 دقيقة بين مكان إقامة اللاعبين وملاعب التدريب، و30 دقيقة بين هذه المواقع وملعب المباريات. لا تقتصر هذه الأمور على الحدث الرياضي نفسه فحسب، بل تهدف أيضا إلى إنشاء بنية تحتية مستدامة للمغاربة، والتي ستدعم التنمية المستقبلية والتوسع الترابي للجهة.
وماذا عن شبكة السكك الحديدية؟
نتوفر على شبكات جهوية سريعة، وقطار جهوي، والقطار فائق السرعة. والهدف، بطبيعة الحال، هو مواصلة تطوير شبكة القطارات فائقة السرعة على مستوى المملكة. كما أننا بصدد إنشاء أكبر محطة قطارات متعددة الوسائط في المملكة، وإحدى أكبر ثلاث محطات في القارة الأفريقية.
تحمل المحطة اسم « الدار الجنوبية »، وستربط بين القطار فائق السرعة، والشبكات الجهوية السريعة، والترامواي، وجميع شبكات النقل الأخرى. والشبكات الجهوية السريعة هي قطار حضري يربط بين بن سليمان والدار البيضاء، ثم بالنواصر، ويتوقف في محطتي الدار البيضاء-الميناء والدار البيضاء-المسافرين.
كما نتوفر أيضا على «إيرو إكسبريس»، وهو قطار يربط بين بن سليمان والدار البيضاء والمطار. والهدف واضح: يجب أن يتمكن كل مواطن يرغب في استخدام وسائل النقل العمومية من التنقل من نقطة أ إلى نقطة ب في أقل من اثنتي عشرة دقيقة.
وماذا عن القطارات الجهوية؟
يتألف المشروع من خطين: أحدهما ينطلق من محطة قطار الدار البيضاء الجنوبية الرئيسية في اتجاه الجديدة، والآخر من منطقة الملعب.
والهدف هنا أيضا هو تشجيع المواطنين على ترك سياراتهم في المنزل عند السفر إلى الوجهات القريبة.
أعلنتم عن تهيئة طريق ساحلي من وادي الشراط إلى الجديدة. هل ما زال بإمكاننا أن نحلم بمثل هذا المشروع؟
أقول لكم: ليس من الممكن فقط أن نحلم، بل يجب أن نحلم. نحن منخرطون بالفعل بشكل كامل في تنفيذه. الطريق من وادي الشراط إلى المحمدية، الطريق رقم 322، قد اكتمل. وفي الوقت نفسه، العمل جار على قدم وساق في الجزء الجنوبي من الدار البيضاء، من موروكو مول إلى دار بوعزة. كما أننا بصدد إطلاق الأشغال من سيدي رحال إلى أزمور.
ومع ذلك، يوجد بالفعل طريق ساحلي من أزمور إلى الجديدة. الفكرة هي أن يتمكن الجميع من الاختيار بين استخدام الطريق السريع أو السفر على طول الساحل، وسيتم تمديد هذا الطريق إلى الواليدية.
ما هي المبادرات التي تم إطلاقها لمواجهة مشكلة ندرة المياه؟
نحن المنطقة الأكثر عرضة لنقص المياه، والذي يقاس باحتياطيات المياه المتوفرة، سواء الجوفية أو في السدود، لتلبية احتياجات السكان.
هذه الاحتياطيات أقل من المعايير الدولية. لذلك، كان من الضروري اتخاذ تدابير عاجلة لمواجهة هذا الوضع وتحسين تدبير المياه في الجهة. وقد حدد جلالة الملك التوجيهات العامة في هذا الصدد.
ما هي المشاريع المتعلقة بتحلية المياه؟
يجري العمل حاليا لبناء محطة تحلية المياه الكبيرة، والتي من المتوقع أن تغطي أكثر من نصف احتياجات المنطقة من مياه الشرب، بالإضافة إلى 25 % على الأقل من الاحتياجات الفلاحية خلال مرحلتها الأولى، والمقرر تنفيذها عام 2027.
ماذا عن محطات التحلية أحادية الكتلة المخصصة للمناطق النائية؟
لقد استثمرنا في 42 محطة تحلية مياه أحادية الكتلة، وهي وحدات صغيرة متنقلة. يمكن استخدامها حيثما دعت الحاجة، ونقلها عند الضرورة. فعلى سبيل المثال، إذا انخفض الطلب في برشيد، يمكن نقلها إلى سيدي بنور. واليوم، تستفيد جميع الأقاليم تقريبا، باستثناء الدار البيضاء، من هذا الاستثمار الذي مولته الجهة ووزارة الداخلية. تتيح هذه المحطات من تحلية المياه على نطاق أصغر وتعمل باستخدام الطاقة المستدامة. بعض المياه تأتي من البحر، بينما تستغل وحدات أخرى المياه قليلة الملوحة في الأراضي الداخلية.
في سطات، وبرشيد، وسيدي بنور، وبن سليمان، تسحب هذه المحطات المياه من الآبار قليلة الملوحة، وترشيحها، ومعالجتها لتصبح صالحة للشرب. ويستهلك السكان هذه المياه بالفعل، وهي آمنة تماما.
هل يصبح إعادة استخدام المياه المستعملة موردا جديدا؟
لترشيد استهلاك مياه الشرب والاستفادة من الموارد البديلة، أطلقنا عدة مشاريع لإعادة استخدام المياه المستعملة، اثنان منها في مرحلة التشغيل التجريبي في الدار البيضاء. تخضع المياه التي كانت تلقى سابقا في البحر بعد معالجتها لمزيد من المعالجة، مما يسمح بإعادة استخدامها في الري.
وبفضل هذه المبادرة، ازدادت المساحات الخضراء في الدار البيضاء والمناطق المحيطة بها، حيث تروى الحدائق والمتنزهات على طول الطرق السريعة وفي جميع أنحاء المدينة بهذه المياه المعاد تدويرها.
تغطي المحطة الأولى شمال وشمال شرق الدار البيضاء، بينما ستبدأ المحطة الثانية، في منطقة العنق، العمل خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، لتغطي أنفا والمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى الحي الحسني. وتجري حاليا مشاريع مماثلة في المحمدية، وزناتة، وبرشيد، وسطات، والجديدة.
ما التقدم الذي أحرزتموه في مجال تدبير النفايات؟
خلال عامين، انصب الاهتمام على مطرح النفايات بمديونة وروائحه الكريهة. واليوم، تم حل هذه المشكلة، حيث اختفت الروائح الكريهة، حتى في المناطق المجاورة مباشرة. هذا الجهد كان يتوخى تحقيق هدفين رئيسيين.
أولهما إزالة مطرح النفايات القديم، وقد تم تحقيق ذلك.
أما ثانيهما، فهو إعادة تأهيل مساحاته: فقد تم تحويل مطرح النفايات الكبير إلى حديقة خضراء، ولم يعد يستخدم كمطرح للنفايات، بل كمحطة لتثمين النفايات، بهدف الوصول إلى صفر نفايات.
وارتفع هذا الاستثمار إلى 16 مليار درهم، مقابل 3.5 مليار درهم كانت مخصصة في البداية للمطرح. وسيسمح إنشاء محرقة نفايات، بعد فرزها، بإعادة استخدام المواد القابلة لإعادة التدوير، وحرق المتبقي منها لإنتاج الطاقة، بما في ذلك من أجل تشغيل المحطة نفسها. وبالموازاة مع ذلك، يجري التخطيط لإنشاء مطارح نفايات أخرى مراقبة ومستدامة في المحمدية والدار البيضاء والنواصر وبن سليمان.
وماذا عن تطوير مناطق صناعية ولوجستية؟
نحن نعمل على تطوير ست مناطق اقتصادية مخصصة للصناعة والخدمات اللوجستية. إحداها، في أهل الغلام، على مساحة 10 هكتارات، ويمكنها استقبال حوالي 100 شركة. وهي مشغولة حاليا بنسبة 40 %.
المناطق الأخرى قيد التطوير، بمساحة إجمالية تتراوح بين 710 و715 هكتارا، مقارنة بـ10 هكتارات فقط قبل أربع سنوات.
ومن المتوقع أن توفر هذه المناطق أكثر من 40 ألف منصب شغل. وهي تغطي عدة أقاليم: الدار البيضاء، في مناطق مثل أهل الغلام ومديونة، بالإضافة إلى الجديدة، وبرشيد، والنواصر، وبن سليمان.
كما يجري دراسة منطقة في سطات بسبب إكراهات متعلقة بطبيعة التربة، وأخرى في سيدي بنور. والهدف هو تزويد جميع أقاليم الجهة التسعة بمناطق صناعية أو لوجستية أو مختلطة.
تحدثتم عن التمويل. هل يمكنكم توضيح مصادر التمويل التي تتوفر عليها الجهة؟
للجهة ثلاثة مصادر تمويل رئيسية. أولها ميزانياتنا الخاصة. ولتوضيح ذلك، تبلغ ميزانيتنا السنوية حوالي 1.5 مليار درهم.
وبعد سداد نفقات التسيير والديون السابقة، يتبقى لدينا حوالي 1.2 مليار درهم. خلال الولاية بأكملها، يمثل هذا المبلغ حوالي 7 مليارات درهم. عندما تولينا هذا المنصب، وجدنا ما يقارب ملياري درهم غير مستغلة من قبل المسؤولين السابقين، مما سمح لنا بإطلاق بعض المشاريع حتى قبل اعتماد الميزانية.
ما هو المصدر الثاني للتمويل؟
يتعلق الأمر بالديون. لا عيب في الاقتراض للاستثمار. والخبر السار هو أن نفقات التسيير تمثل أقل من 5 % من ميزانياتنا، على عكس الجماعات. لذلك، تخصص ميزانياتنا بشكل أساسي للاستثمار.
سنصدر قريبا سندات بقيمة مليار درهم، ونخطط لإصدار سندات أخرى لتمويل حصتنا في المشاريع الجارية.
ذكرت «حصتنا» في المشاريع الجارية. هل يمكنكم توضيح ماذا تقصدون بذلك؟
في جهة الدار البيضاء-سطات، اخترنا عدم القيام بأي شيء تقريبا بمفردنا. الفكرة هي أن كل درهم نستثمره يجب أن يجذب درهمين من الشركاء. نحن نعمل مع الوزارات والجماعات وهيئات عمومية أخرى. فعلى سبيل المثال، بالنسبة للمناطق الصناعية، تشارك وزارة الصناعة ووزارة الداخلية ووزارة المالية في المشاريع لأن الجميع سيستفيد: خلق فرص الشغل، والمداخيل الضريبية، والتنمية الصناعية.
هل يمكنكم القول اليوم بوجود ضمان لتحقيق عائد الاستثمار؟
اختارت جهة الدار البيضاء-سطات عدم الاقتصار على دعم المشاريع الاقتصادية المدرة للربح فقط. فقد اعتمدنا نموذجا يخصص فيه ثلث المشروع كحد أقصى كدعم مالي، بينما يخصص الثلثان المتبقيان كحصة في الرأسمال.
وبالتالي، عندما تدخل هذه المشاريع حيز التشغيل، ستحقق نتائج يمكن للجهة استعادتها، ليس للاستهلاك، بل لإعادة استثمارها وتوسيع مجال استثماراتها. ويقاس عائد الاستثمار بتحسين انسيابية حركة المرور، والحد من التلوث، وزيادة جاذبية الجهة.
ما هي المشاريع المهيكلة المستقبلية للجهة؟
يستثمر المغرب حاليا في العديد من المشاريع المهيكلة. ومن أهمها الطريق السريع الذي يربط الرباط ببرشيد. سيتيح هذا الطريق السفر بسرعة فائقة بين الرباط ومراكش، وكذلك بين الرباط وجنوب البلاد، دون المرور عبر الدار البيضاء.
وسيخفف هذا بشكل كبير من الازدحام المروري في الدار البيضاء ومحيطها، لا سيما على الطريق الذي افتتحناه مؤخرا بين تيط مليل وبرشيد.
كيف يندمج هذا الطريق السريع الجديد مع شبكة الطرق الحالية في الدار البيضاء؟
يرتبط مطار الدار البيضاء حاليا بالمدينة عبر ثلاثة طرق: الطريق التقليدي، الذي تم توسيعه، والطريق السريع تيط مليل-برشيد، وطريق تادارت الذي يمر عبر وسط المدينة. تسهم جميع هذه البنى التحتية في تنظيم حركة المرور بشكل أكثر انسيابية. كما نعمل على تنظيم حركة المرور داخل المدينة نفسها.
على سبيل المثال، قمنا بتطوير محور طريقي الحي الحسني 26، الذي يربط الحي الحسني بالنواصر ثم بأنفا.
يربط هذا المحور بين الطريق السريع والطريق الساحلي، مما سيحسن انسيابية حركة المرور. وفي برشيد، قمنا بإنشاء وتحديث جميع الطرق المؤدية إلى المطار، بالإضافة إلى الطريق الذي يربط برشيد بحد السوالم.
هل هناك مشاريع مهيكلة أخرى؟
بطبيعة الحال. ويعد إنشاء مركز كبير للبحث والتنمية في مجال التقنيات الجديدة أحد أهم المشاريع على جميع الأصعدة. عندما أتحدث عن التقنيات الجديدة، لا أقصد تكنولوجيا المعلومات فحسب، بل أيضاً تكنولوجيا النانو والهيدروجين والابتكار بشكل عام. سيقع المركز في المدرسة الحسنية للأشغال العمومية، ويجري تطويره من خلال شراكات مع جامعات عالمية، بما فيها جامعات أمريكية وصينية وأوروبية. وقد بدأت الأشغال بالفعل، وتبلغ ميزانية المشروع حوالي مليار درهم.


