لقد ظلت الجزائر وصنيعتها « البوليساريو » تروجان لأخبار لا أساس لها من الصحة، لتضميد جراح التي أثخنت جسد محور الشر إياه، لكن الخارجية الأمريكية أضافت طعنة قوية لذاك الجسد، وقضت على آماله في الترويج لقضاء أسبوع متوازن، رغم أن كل الدلائل كانت تشير إلى العكس.
قبل آخر ساعات يوم الأحد جهرت بلاد العام سام بالحقيقة التي لا مراء فيها، وأكدت أن موقفها « الواضح والثابت » من « قضية الصحراء المغربية لم يتغير ». وأعادت أمام مرأى ومسمع العالم تجديد « دعم واشنطن للمخطط المغربي للحكم الذاتي » الذي ظلت تصفه باستمرار بكونه « جادا وذا مصداقية وواقعيا ».
لقد جاء بلاغ وزارة الخارجية الأمريكية، ليسقط أحلام اليقظة للمحور إياه، خصوصا أن تعميمه جاء « عشية زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شمال إفريقيا، جوشوا هاريس » إلى بلادنا.
كيف لا وقد جرى التأكيد أن المسؤول الأمريكي « سيجدد التأكيد »، خلال مباحثاته مع المسؤولين المغاربة في عاصمة المملكة، « أنه ليس هناك أي تغيير بشأن الموقف الواضح والثابت للولايات المتحدة ».
إن الجزائر وصنيعتها تتناسيان أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية التاريخي بخصوص الصحراء المغربية هو قرار دولة، وأن الفرق كبير بين قرارات الدول التي تحترم تعهداتها، والمسؤولين غير المسؤولين الذين فضحوا أنفسهم أمام العالم وهم يتعاملون بأسلوب المافيا، ويجاولون جر الدول التي تقترب منهم إلى المستنقع، بسبب الأساليب الملتوية التي لا تجدي نفعا.
أصبحنا في المغرب ملقحين ضد سموم الجزائر وإعلامها، الذي جعل من الحقد والكذب خطه التحريري، ولا نبالي بأكاذيبه، لكن بلاغ الخارجية الأمريكية لم يفوت الفرصة وقضى على الأكاذيب، إذ جاء ليسقط « بشكل قاطع ادعاءات بعض وسائل الإعلام الجزائرية التي ألمحت، عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها الدبلوماسي الأمريكي إلى الجزائر، إلى تغيير مزعوم في موقف الولايات المتحدة بشأن قضية الصحراء ».
طوت الولايات المتحدة صفحة الموقف من الوحدة الترابية للمغرب، ولم يعد موقفها موضع شك، وتتطلع كذلك لطي الملف بشكل نهائي، عبر دعم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، لذلك جددت التذكير بأهمية التوصل إلى حل سياسي يرضي أطرف النزاع.
وأكدت، أيضا أنها تفكر أمور أخرى، ولا ترغب في أن ترهن علاقتها مع المغرب بقضية حسمت موقفها بخصوصها، لذلك أشارت إلى أن زيارة المسؤول الأمريكي (نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شمال إفريقيا) لبلادنا تركز أيضا على « تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة والمغرب وعدد من الأولويات في مجال الأمن الإقليمي ».
إنها ضربة موجعة أخرى تنضاف إلى مجموع الضربات التي دوت في قلب قصر المرادية ووصل صدى ما فعلته هناك وفي تندوف إلى مسامع من هم في مختلف أنحاء العالم.
بدأت الصدمات يوم الاثنين الماضي (11 دجنبر 2023) بتواصل مسلسل الخيبات عبر القرار الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتمادها من جديد «قرارا يجدد تأكيد دعمها للعملية السياسية الجارية تحت الإشراف الحصري لمجلس الأمن الدولي من أجل تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، ويؤكد مجددا إقبار خيار الاستفتاء بشكل نهائي»، ما أطلق على الخصوم رصاصة الرحمة.
وأكد القرار والتبني في الآن نفسه سلامة الموقف المغربي الثابت، وهو ما اعتبرناه في حينه موقفا « يزكي جدية بلادنا ومصداقية مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به في 11 أبريل 2007″.
ورغم أننا اعتدنا على تصرف تحاول من خلاله الجارة الشرقية التغطية على خيباتها محاولة منها لتحويل البوصلة في اتجاه المغرب، فإن توالي الصدمات حملها على عفر رأسها في الرمال مستعيرة أسلوب النعامة.
لم يكن ذلك اختياريا، بل فرضته أحداث تصب في الاتجاه نفسه، طالما أن تزكية الموقف المغربي صدرت عن عدة دول، ونشير هنا إلى تجديد ألمانيا « التأكيد على موقفها المتعلق بقضية الصحراء المغربية »، إذ تعتبر أن « مخطط الحكم الذاتي المقدم سنة 2007 مجهودا جادا وذا مصداقية من لدن المغرب، وأساسا جيدا لحل مقبول من الطرفين »، كما تم التعبير عن ذلك في الإعلان المشترك الصادر في 25 غشت 2022″، وقد جرى التجديد خلال الدورة الـ50 للمفاوضات الحكومية حول التعاون المغربي-الألماني المنعقدة في الرباط يومي 7 و8 دجنبر 2023، لكن إماطة اللثام عنه إعلاميا جرت الأسبوع الماضي.
ويوم الأربعاء 13 دجنبر 2023 جددت بلجيكا على لسان متحدث باسم وزارة خارجيتها، التأكيد على موقفها من قضية الصحراء المغربية، وهو الموقف الذي اعتمدته بلجيكا في الـ14 من فبراير 2014، في إطار اللجنة العليا المشتركة بين المغرب وبلجيكا. وعادت لتؤكده سنة 2022 في الإعلان المشترك، ويقوم الموقف البلجيكي على أساس اعتبار الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب « مجهودا جديا وذا مصداقية من قبل المغرب وأساسا جيدا لبلوغ حل مقبول من الأطراف ».
إن ثبات بلجيكا على موقفها يؤكد انحيازها إلى نصرة الحقيقة، واحترام تعهداتها التي تتماشى مع المبادئ المذكورة في القرار 2703 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2023، وهو الأخير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلق بقضية الصحراء، الذي تبنته الجمعية العامة للهيأة نفسها.
هذا الموقف نزل بالنسبة للخصوم حماما بارد جمد الدم في الأوصال وكلس العظام، وقضى على أمل فرصة أخرى للعب على الوقت، وإيهام الشعب الجزائري الذي طفح كيله بأن هناك تصاعد في أعداد الدول المساندة لأطروحتهم المتآكلة.
والواضح أن صدمات الجزائر وصنيعتها كانت عابرة للقارات، فمن أمريكا إلى أوروبا، ومنهما إلى القارتين الإفريقية التي نعتز بالانتماء إليها، والآسيوية أيضا.
وهنا نقف عند تأكيد وزير خارجية البنين، أولوشيغون أدجادي بكاري، خلال مباحثاته مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، دعم بلاده للوحدة الترابية للمغرب، إذ تحدث عن كونه « سيدفع في إطار مراجعة الخريطة الدبلوماسية والقنصلية في اتجاه أن يكون للبنين حضور قنصلي بمدينة العيون بالصحراء المغربية ».
هذا التوجه له دلالات كبيرة، فهو يعبر بكل صدق عن نجاح تجربة المغرب، الذي يعتبر أن العمق الإفريقي جزء أساسي في سياسته الخارجية، ويؤكد أن مكاسب الدول التي بادرت بفتح قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية للمملكة، أضحى يغري المزيد من الدول لتحذو حذوها.
لا نبالغ حين نعتبر أن الصدمات التي تلقاها الخصوم عابرة للقارات، فمن جنوب غرب أسيا، جاء خبر استمرار دعم أذربيدجان للوحدة الترابية للمغرب، وحملته رئيسة الجمعية الوطنية لأذريبجان، صاحبة غافاروفا، خلال زيارتها للمغرب، حيث التقت مسؤولين في غرفتي البرلمان ومسؤولين حكوميين على رأسهم عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الذي استقبلها يوم الجمعة الماضي بالرباط.
وكانت زيارة وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون لمملكة إسبانيا، خوسيه مانويل ألباريس للمغرب خير رد على خرافات « مدريد تترك الرباط »، التي روجت لها الجزائر دون أن يبالي بها المغرب، لأن الهدف منها يتمثل في محاولة تبربر العودة المذلة للسفير الجزائري إلى مدريد، بعد أن أغضب الجالسين في قصر المرادية التقارب المغربي الإسباني، والموقف الإيجابي للجارة الشمالية بخصوص الصحراء المغربية، سحبت الجارة الشرقية سفيرها.
لا شيء تغير في الواقع، لكن الخيال المريض للجارة الأخرى، وآلتها الدعائية هي التي اعتدت أن تحكي بالليل حكايات يمحوها ضوء النهار. وحمل الضوء معه تخصيص المغرب بأول رحلة خارجية لألباريس في ولايته الجديدة، وتأكيد موقف بلاده من قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وهو ما أكده في قلب العاصمة الرباط عقب مباحثاته مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، حيث قال إن « موقف إسبانيا المتعلق بقضية الصحراء لم يتغير، وهو الموقف الذي سبق التعبير عنه في الإعلان المشترك الذي تمت المصادقة عليه في 7 أبريل 2022، والإعلان الذي توج الدورة 12 للاجتماع رفيع المستوى المغرب - إسبانيا المنعقد في فبراير 2023″.
كانت الصدمات كثيرة والأكيد أن النوم سيهجر من جعلوا عداء المغرب عقيدة لهم، ودون شك سيعفرون من جديد رؤوسهم في التراب، في انتظار أن تتفتق « عبقريتهم » بكذبة جديدة، ونحن لهم دائما بالمرصاد، لنجعل حبل الكذب أقصر مما يظنون.