لقد تمادى هذا الأخير في فرض شروطه وإملاءاته التي تدخل في خانة التضييق على المغرب ومؤسساته السيادية، مع العلم أن المغرب راكم مكتسبات كبيرة في مجال حقوق الإنسان التي تعد خيارا استراتيجيا وطنيا يعكس الإرادة الصادقة، سواء على مستوى تأهيل المنظومة القانونية الوطنية مع ضرورة ملاءمتها مع الالتزامات الدولية للمملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان أو على مستوى الجهود المتعلقة بتعزيز البناء المؤسساتي وتطوير السياسات والبرامج العمومية من أجل ترسيخ البناء الديمقراطي واستكمال إرساء دولة الحق والقانون.
وللتذكير، فالقضاء المغربي هو المؤسسة الوحيدة المخول لها دستوريا طبقا للفصل 117من الدستور حماية حقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، كما أن القضاء المغربي يتشبث بالقيم والمبادئ الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية ومن ضمنها: حرية الفكر والتعبير والرأي والصحافة، علما أن حقوق الدفاع والحق في ضمانات المحاكمة العادلة ومبدأ الأصل في المتهم البراءة والحق في حماية الحياة الخاصة مضمونة تطبيقا للفصول 23 و24 و28 و119 و120من الدستور.
وتجدر الإشارة إلى أن قضية الصحافي المعتقل «ع.ر» لاعلاقة لها بالصحافة وحرية الرأي والتعبير، وإنما تتعلق بشكاية من زميلته الصحافية حول الاغتصاب، وهي تهمة حق عام لاعلاقة لها بمهنة أو مكانة مرتكبها، والمغرب اعتمد منذ 2016 قانون صحافة خال من العقوبات السالبة للحرية. ومن المعلوم أن الملف الآن معروض على القضاء المغربي، وهو في مرحلة النقض الآن بعد أن استكمل كل درجات التقاضي ومساطر البحث الأولية، ويجب ألا يتم التشكيك أو التدخل والتأثير في السيادة القضائية لدولة ذات سيادة والتدخل في ملف رائج في المحاكم المغربية لأن هذا غير مقبول حالا ومستقبلا.
إن المغرب الدولة الأمة، لم ولن يقبل الإملاءات التي لاتستند إلى حقائق، ويرفض أي تصرف أو مساع تهدف إلى تحوير الأهداف السامية لدولة الحق والقانون.
إننا ندرك تمام الإدراك، أن موضوع حقوق الإنسان أصبح بالنسبة للبرلمان الأوروبي سلعة يتم طرحها أو سحبها حسب العرض والطلب خدمة لأجندة غير خفية،سيما وأن مضمون قرار البرلمان الأوروبي كشف عن أحكام جاهزة ضد المغرب، مع العلم أنه تجاهل بشكل يثير الاستغراب ما يحصل من انتهاكات فظيعة ضد الصحافيين وحرية الصحافة وحرية التعبير في دول عديدة منها جارتنا السيئة الذكر،كما أن الظرفية التي خرج فيها هذا القرار تجعلنا نطرح الكثير من التساؤلات..!!
هكذا نجد أن هذا القرار لايمت بأي صلة لحقوق الإنسان، بل هو محاولة يائسة للضغط الدبلوماسي على المغرب خدمة لأجندة جيواستراتيجية لصالح جهات أوروبية مازالت تحن إلى الهيمنة والماضي البائد.
إن مايحاك ضد المغرب يجب ألا يدخل مطلقا في خانة الدفاع عن حقوق الإنسان، وواهم من يظن أن البرلمان الأوروبي شغله الشاغل هو هذا الموضوع... إننا ببساطة أمام ابتزاز وضرب تحت الحزام، لأن المغرب بدأ يتحرك ويتموقع سياسيا واقتصاديا على المستوى الإفريقي والدولي.
لقد نشرت صحيفة «Newslooks»الأمريكية مقالا لـ «مايكل باتريك فلاناغان» تطرق فيه للحملة العدائية التي يشنها البرلمان الأوروبي على المغرب والأسباب الخفية الكامنة وراءها، معتبرا ذلك تدخلا مباشرا في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، وتتجاوز المشاركة السياسية والدبلوماسية العادية بين الدول.
لقد كشف «فلاناغان» أن المملكة المغربية تدفع اليوم ثمنا باهظا في دوائر الاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي لأنها تدعم الولايات المتحدة على مستعمرها السابق... لذا (يقول فلاناغان) يجب أن ننظر إلى الهجوم الدبلوماسي على المغرب أنه هجوم على العلاقة بين الولايات المتحدة والمغرب ومصلحتنا الاستراتيجية المشتركة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
إن المغرب يرفض ازدواجية المعايير والكيل بمكياليين والضرب تحت الحزام، وهو حريص كل الحرص على ضمانات المحاكمة العادلة، انتصارا لدولة الحق والقانون، وانطلاقا من مبدأ أساسي، أن القانون يعلو ولا يعلى عليه وهو ضمير الأمة الذي نستند إليه، وأن علاقتنا بالجار الأوروبي نريدها علاقات «مبنية على المبادئ قبل المصالح» في إطار شراكة تجمع بين الطرفين، كما أكد ذلك جوزيب بوريل خلال زيارة العمل التي قام بها مؤخرا إلى المغرب.
نعم «المبادئ قبل المصالح» شعار جميل مفعم بالأخلاق والطوبى وهو خطاب دبلوماسي يحمل الكثير من الدلالات... على العموم إنه كلام جميل، لكن هل سيصمد أمام حاجة أوروبا للدفء في برد الشتاء..!؟
الأيام القادمة كفيلة بالجواب....