ميزانية الدفاع خلال 2026: عبد اللطيف لوديي يكشف كل شيء عن استراتيجية التسلح والمشاريع الصناعية

أفراد من القوات المسلحة الملكية خلال الذكرى 69 لتأسيس الجيش الملكي

في 14/11/2025 على الساعة 17:00

فيديوأصبحت الأرقام نهائية الآن. ثلاثة وسبعون مليار درهم هي الميزانية المخصصة للدفاع الوطني، لا أكثر. والتوجه المتخذ واضح بالقدر ذاته: تحديث الترسانة وتطوير التصنيع المحلي. هذه استراتيجية تبتعد عن «المزايدة» التي انخرطت فيها الجزائر، لتعيد تركيز الجهد الوطني على الفعالية، والتحكم التكنولوجي، والاستقلالية الصناعية. إليكم التفاصيل.

عندما تولى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، الكلمة أمام اللجنة البرلمانية لتقديم ميزانية 2026، كانت الدقائق الأولى كافية لإنهاء عدة أيام من الضجة الإعلامية. لقد جرى التعليق على الأرقام بسرعة مفرطة، وأُسيء فهمها أحيانا، وجرى تأويلها في الغالب.

لقد وضع الوزير الأمور في نصابها. فالمغرب يزيد ميزانيته، نعم، لكنه لا يغير منطقه. إنه يواصل استراتيجية جرى بناؤها بصبر، دون الاستجابة لاستعراضات القوة التي يقوم بها الجار الشرقي. والأهم من ذلك، أنه يؤكد أن الصناعة العسكرية الوطنية، التي طالما ذُكرت كطموح، قد أصبحت الآن حقيقة واقعة.

يتعلق التوضيح الأول بالأرقام. فقد بلغت ميزانية الدفاع 73 مليار درهم لعام 2026، بزيادة تناهز 3.3 مليار درهم، وهو ما يمثل أقل بقليل من 5 في المئة.

وهذا النمو يظل محدودا ويعكس الاحتياجات العملياتية والبرامج التي جرى التعاقد عليها بالفعل، كما أوضح سابقا مسؤول في منتدى «فار – المغرب» المطلع، في تصريح لـle360.

لكن العنصر الأكثر دلالة يكمن في نقطة أخرى: حيث تراجعت حصة الميزانية العسكرية الصارمة تراجعا طفيفا ضمن ميزانية الدولة، إذ انخفضت من 4.5 في المئة عام 2025 إلى 4 في المئة. وهو انخفاض يتناقض مع الخطابات التي تحدثت عن تصعيد مفاجئ للقوة.

كما شدد لوديي على نقطة باتت محورية في النقاش العام، وهي أن 157 مليار درهم المسجلة كـ «التزامات متوقعة» لا تشكل بأي حال من الأحوال ميزانية جرى إنفاقها أو حتى متاحة للعام المقبل.

يشير هذا المبلغ (157 مليار درهم) إلى «تراخيص متعددة السنوات» تسمح بتوقيع عقود طويلة الأمد، لا سيما في قطاع الدفاع حيث يمكن أن تمتد دورات الاقتناء على مدى عقد من الزمن. ويؤكد هذا الإجراء أن المغرب يحافظ بذلك على انضباط مالي صارم، مع ضمان استمرارية برامجه الاستراتيجية، كما أكد مخاطبنا.

هذا التوضيح أساسي لأنه يتيح إعادة النقاش إلى إطاره الحقيقي، خاصة عند مراقبة البيئة الإقليمية. فقد اعتمدت الجزائر لعام 2026 ميزانية عسكرية تبلغ نحو 25 مليار دولار، أي ما يقرب من 20 في المئة من ميزانيتها الإجمالية، وهو ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف الميزانية التي أعلنت عنها الرباط (نحو 7.91 مليار دولار). ولم يسبق للبلاد أن وصلت إلى هذا المستوى من قبل. وتندرج هذه الزيادة في إطار سياسة هيكلية لـ «الإفراط في التسلح»، تغذيها الجزائر منذ نحو عقد من الزمن، وتضخمت خلال السنوات المالية الأخيرة. في المقابل، تتبنى الرباط خطا معاكسا تماما.

ويؤكد محمد لوليشكي، الباحث في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (PCNS)، والمتخصص في الدبلوماسية وحل النزاعات، أن «المغرب ليس منافسا لأحد. لديه استراتيجيته الخاصة، ولدينا رؤية ملكية تهدف إلى قيادة المغرب نحو مجتمع سلمي، متطور، ديمقراطي ومنفتح على العالم، سياسيا، دبلوماسيا وثقافيا. نحن لسنا ضد أحد».

ويعلق خبير في شؤون الدفاع قائلا: «المغرب لا يدخل في سباق تسلح. إنه لا يتبع منطق « الحجم » الذي تتبناه الجزائر. هو يقوم بتحديث أدوات دفاعه، بالتأكيد، لكن وفقا لاحتياجاته العملياتية، وليس كرد فعل على نوايا جاره. هذا الاختلاف الفلسفي جوهري. الجزائر تكدس، والرباط تبني الهياكل. الجزائر تزيد لكي تستعرض، والرباط تزيد لكي تتحول. هنا يكمن مفتاح قراءة ميزانية 2026».

وهذا التحول يحمل اسما واحدا: الصناعة العسكرية الوطنية. لسنوات، كانت الرباط تتحدث عن طموح تطوير قدرات محلية للإنتاج، والصيانة، والتجميع، والتصدير. هذا الطموح تجسد الآن على أرض الواقع، وهو ما أكده الوزير لوديي.

ووفقا لأحكام المرسوم رقم 2.23.925 الصادر بتاريخ 20 يونيو 2024 والمتعلق بإحداث منطقتين مخصصتين للتسريع الصناعي للدفاع، فقد جرى اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإطلاق أشغال تهيئة المنطقتين، لتكونا جاهزتين لاستقبال المستثمرين في هذا القطاع قبل نهاية عام 2026.

منذ إطلاق خريطة الطريق الاستراتيجية هذه، جرى الترخيص لعشرة مشاريع صناعية مرتبطة بأنشطة الدفاع، باستثمار إجمالي يقدر بنحو260 مليون دولار، ومن المتوقع أن تسمح هذه المشاريع بخلق أكثر من 2500 منصب شغل مباشر.

وتشمل هذه المشاريع خمسة برامج جرى الترخيص لها، وخمسة أخرى لا تزال قيد الدراسة أو في طور الانتهاء، وهي تستجيب لاحتياجات القوات المسلحة الملكية من حيث القدرات العملياتية المتقدمة. كما تهدف هذه المشاريع إلى تلبية متطلبات التكامل بين الأنظمة وإمكانية تخصيص جزء من الإنتاج للتصدير.

إذن، إنها حقيقة واقعة يتم تنظيمها، وتوحيدها، وبدأت في التجسيد الملموس. لن نعرف المزيد من التفاصيل، لكن هذا التوجه قائم. ولفهم ما يمثله، يكفي النظر إلى ما يحدث على أرض الواقع. المثال الأكثر رمزية يقع في برشيد، حيث جرى تدشين مصنع «تاتا أدفانسد سيستمز المغرب». وسينتج هذا المصنع مدرعات «WhAP 8x8». وتكمن الحداثة في نسبة الإدماج المحلي، التي جرى تحديدها بالفعل في 35 في المئة، ومن المتوقع أن تصل سريعاً إلى 50 في المئة.

ومن المنتظر أن يدعم هذا المصنع النمو الاقتصادي الجهوي، مع خلق تسعين منصب شغل مباشر ومائتين وخمسين منصب شغل غير مباشر، بالإضافة إلى خطة صعود تدريجي تتوقع زيادة كبيرة في الإنتاج على المدى المتوسط.

سيعمل مصنع«TASM»، المجهز ببنية تحتية حديثة، كمنصة إقليمية لتصدير مركبات «WhAP 8x8»، خاصة نحو إفريقيا.

وقد جرى إطلاق ورش كبير آخر، موجه هذه المرة نحو قطاع الطيران، في بن سليمان. فقد وُضعت الحجر الأساس لمركز صيانة مخصص لطائرات «إف-16» و«سي-130» في أكتوبر 2025.

ويجري قيادة المشروع من طرف شركة «صيانة إيرو المغرب» (Maintenance Aéro Maroc)، بالشراكة مع «سابينا إنجينيرينغ» و «لوكهيد مارتن» و «مدز» (MedZ).

وسيضم هذا الموقع المستقبلي، الذي سيمتد على أكثر من 8000 متر مربع، حظيرة مصممة لإجراء الصيانة الثقيلة وتحديث طائرات «إف-16» و «سي-130 هيركوليس». لكنه لن يقتصر على ذلك، بل سيُصبح أيضاً مركزاً إقليمياً، بقدرة على استقبال وصيانة أجهزة مخصصة للتصدير، وفقاً لما أكده أمين شفيق، المدير العام لشركة «صيانة إيرو المغرب».

ويضاف إلى هذا المشروع الثاني مشروع ثالث. ففي يوم الأربعاء 12 نونبر، أكدت شركة «بلو بيرد» مجددا قرب إقامة وحدة لإنتاج طائرات مسيرة من طراز «SPY-X» في المغرب.

وأعلنت الشركة عن استقبال فريق تقني مغربي لبرنامج تدريبي معمق حول عملياتها الصناعية.

وأوضح مخاطبنا أن «هذه المرحلة ليست عرضية. سيجري تصنيع طائرة « SPY-X » في الموقع، مع نقل للتكنولوجيا جرى تبنيه وتنظيمه ومرافقته».

وهناك إعلان آخر يكمل هذه الصورة، تقف وراءه هذه المرة جهة تركية هي شركة «بايكار»، التي تخطط، عبر شركة «أطلس للدفاع»، للاستقرار في بن سليمان. ويلاحظ مخاطبنا أنه «هنا أيضاً، المنطق مشابه: نقل للتكنولوجيا، وتدريب، وخلق قطاع محلي. فالمغرب يبني قطاعات متكاملة لنفس السلسلة: مدرعات، طائرات مسيرة، طيران، صيانة، إنتاج مكونات، وأنظمة مدمجة. ويشكل كل ذلك منظومة وطنية تنمو وتترسخ بشكل دائم، دون ضجيج».

وتواكب هذه القفزة الصناعية الأولويات العملياتية. فميزانية 2026 تركز على الالتزامات الجارية: تعزيز المراقبة الحدودية، اقتناء مروحيات «أباتشي»، تجديد المدرعات، تطوير المدفعية الساحلية، وتحديث زوارق الدورية البحرية، كما أوضح سابقاً مسؤول في منتدى «فار – المغرب».

تحرير من طرف هاجر خروبي
في 14/11/2025 على الساعة 17:00