مناسبة الحديث، تقرير منظمة « مراسلون بلا حدود » حول حرية الصحافة في العام. عداء للمغرب بلا حدود. ورغبة في تحقيق اختراق سياسي بأجندة حقوقية بمسمى حرية الصحافة. لكن، يجب أن نتساءل، كما يقول الفيلسوف والمفكر المغربي الراحل محمد عزيز لحبابي، أحرية الصحافة هي أن يقول الناس ما شاءوا، فيما شاءوا، وفي من شاءوا ومتى شاءوا؟ إذا أجبنا بنعم فمعناه أننا نجعل حرية الصحافة مرادفة للفوضى في القول، فاتحين الباب أمام التحريضات المختلفة والكذب، والتهديد والتشهير بما يُعرض حريات الآخرين وحقوقهم لأخطار مادية ومعنوية. وبمعنى أدق كيف تُقاس الحرية؟
دون أن نستبعد شرط سياق وتوقيت الهجمة التي تتعرض لها المملكة من قبل نفس الهيئات الحقوقية، حتى أن الأمر يبدو مرتبا توقيتا طوال سنتين تقريبا، يمكن أن نطرح العديد من الفرضيات لفهم كيفية قياس حرية الصحافة. هل تقيس هذه الجهات مسألة الحريات بدرجة الخلاف بين هذه المنظمات الدولية والدولة؟ أم بطبيعة العلاقة الصدامية التي تنشأ بين الدولة وأشخاص يقدمون أنفسهم بوسم الصحافة، وهم يمارسون الابتزاز ضد النظام السياسي ورموزه؟ أم أن عملية التقييم التي تقوم بها هذه الهيآت الدولية تخضع لاشتراطات مسبقة؟ تلقى رفضا من قبل النظام السياسي القائم، فتكون عملية التقييم تحصيلا لفعل الامتناع واستهدافا لسيادة الدول في قراراتها السياسية والقضائية والأمنية. علما أن السيادة هنا ترادف التحرر. فلمن الأولوية إذن: للحرية أم للتحرر؟
إذا سلمنا بالفرضية/ السؤال الأول فالنتيجة أن التقرير الصادر حول حرية الإعلام بالمغرب هو استمرار لمسلسل طويل من التضييق بدأ مع حملة التشهير بالمغرب في قضية « نظام بيغاسوس ». هذه الحملة لم تتوقف رغم نفي التحقيقات التي أفرجت عنها لجنة البرلمان الأوربي الأسبوع الماضي علاقة المغرب بهذه القضية، حيث انتهى التحقيق الأوروبي إلى أنه « لا أدلة حول الدور المزعوم للمغرب بالتجسس ». وهي القضية التي بنى عليها « الإليزيه » في فرنسا كل سردياته لتوجيه النواب الأوروبيين لحزب « ماكرون » وحلفائهم نحو التصويت على قرار برلماني أوربي يدين المغرب في قضايا حرية الصحافة ويتطاول على مؤسساته الدستورية والقضائية.
الفرضية/ السؤال الثاني يشي بأن المنظمات التي تقيس الحريات هي طرف في تصفية حسابات قديمة لفائدة دول أو جهات أو ربما أشخاص فقدوا مصالح وامتيازات وعلاقات سلطوية استفادوا منها بداية. فالأطراف التي تتحرك ضد المغرب اليوم كانت إلى وقت قريب أكبر مستفيد من جلسات « صالونات السياسة » ثم انقلبت على عقبها حينما قررت الدولة إعادة النظر في بعض تقديراتها للشأن العمومي والحقوقي معا!
أما تفكيك الفرضية/ السؤال الثالث فيفضي إلى نتيجة واحدة مفادها أن التقارير الحقوقية وسيلة ابتزاز وأداة لتحقيق اختراق بالتدخل في الأمور السيادية للدول. ولعله الأمر الذي فطن إليه المغرب مبكرا، بينما سقطت دول أخرى في فخ نصبته لها هذه المنظمات الدولية تحت مسميات تقديم المساعدة التقنية والتحقيق المشترك.
باستحضار هذه الفرضيات يظهر أن أكبر إنجاز حققه تقرير « منظمة مراسلون بلا حدود » حول حرية الصحافة في المغرب، هو أنها وضعت « الحرية » في صلب صراع المصالح. ويبدو أن ذهبت أبعد من ذلك بأن جعلته بين المغرب والجزائر أيضا. فجعلت من نظام يحكمه العسكر يقمع الصحافيين ويمنع المنظمات الحقوقية الدولية من دخول البلاد ويفتعل الأزمات ويهدد الاستقرار في شمال إفريقيا.. أكثر « ديمقراطية وحرية » من نظام مغربي تعددي سياسيا وإعلاميا وشريك لهذه المنظمات منذ سنوات طويلة، وحريص على الاستماع إليها والتجاوب مع مطالبها وملاءمة تشريعاته الدستورية والقانونية مع توصياتها. ولربما أن الشيء الوحيد الذي تغير اليوم أن من كانوا يقودون هذه الشراكات تحولوا إلى خصوم للدولة فتحول معهم رعاتهم الدوليون إلى أعداء للمملكة أيضا. وهنا يكمن الانزلاق الخطير بالقيم الحقوقية نحو السياسة والإيديولوجيا والوصاية على الدول.