وقد أوضح البلدان عزمهما على تعزيز شراكتهما الدائمة وذات الدلالات القوية، فالمملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة وضعتا يدا في يد، من أجل الإقلاع سويا، وتحقيق الوصول الآمن في رحلة إلى المستقبل تتميز بجيل جديد من الشراكات المتفردة.
جاءت الزيارة الملكية للإمارات لتضيف لبنة جديدة لصرح العلاقة متعددة الأبعاد بين البلدين الشقيقين، غير أن هذه اللبنة تتميز بكونه تعبر عن طموح بلدين تحدوهما رغبة التحلق عاليا في أجواء الألفية الثالثة، وحرق المراحل لتعزيز كل ما هو مشترك بينهما.
لا شك أن العلاقة بين المغرب والإمارات، تأتي على رأس العلاقات المتميزة ليس، في المحيطين العربي والإفريقي فحسب، بل أيضا على المستوى الدولي، لأنها تستعصي على الرتابة التي تقف وراء الفتور الذي يطبع الكثير من العلاقات الثنائية.
إن الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد بين المغرب والإمارات تستفيد من تعدد الاتفاقيات والاستثمارات، ومن العلاقة القوية التي تربط قيادتيهما منذ القرن الماضي، والمتواصلة بفضل حكمة وعزم الملك محمد السادس والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
ومن الطبيعي أن تثمر الزيارة الملكية الرسمية الأولى منذ انتخاب محمد بن زايد آل نهيان رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة من قبل المجلس الأعلى للاتحاد في 14 ماي الماضي، جيلا جديدا وواعدا، يقفز فوق كل ما هو تقليدي، وهو ما يتجسد في إعلان « نحو شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة ».
جاء هذا الإعلان ليضفي طابعا متميزا على العلاقة الأخوية المثالية بين البلدين، ويؤكد سير البلدين بإصرار إلى عالم الشمس والحفاظ على التوهج المستمد من عهد القائدين الراحلين الملك الحسن الثاني والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
أكيد أن علاقات المغرب والإمارات مثالية، كما أسلفنا القول، ومن شأن الإعلان الموقع في أبوظبي يوم الاثنين 4 دجنبر 2023 أن يرتقي بها على مختلف الأصعدة « عبر شراكات اقتصادية فاعلة، تخدم المصالح العليا المشتركة وتعود بالتنمية والرفاه على الشعبين الشقيقين ».
إن وضع الشعبين العربيين الشقيقين المغربي والإماراتي في الحسبان وعلى رأس الأولويات يقدم المزيد من ضمانات النجاح، وإن كان الأمر لا يتطلب ضمانات حين يتعلق الأمر بالبلدين الشقيقين.
أكيد انه من شأن زيارة العمل والأخوة من قبل الملك إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، أن تثبت كما أشار البيان « الروابط العميقة بين البلدين الشقيقين ».من المؤكد أن الروابط تتقوى بفضل ما طبع المباحثات الثنائية لقائدي البلدين الشقيقين من « ثقة تامة وانسجام كامل في الرؤى حول فرص وإمكانات التكامل والتعاون العملي بين البلدين في إطار تعاضد وتكاتف متبادل، جدد القائدان عزمهما الأكيد والملح على الارتقاء بالعلاقات بين البلدين والتعاون المشترك إلى آفاق أوسع، عبر شراكات اقتصادية فاعلة، تخدم المصالح العليا المشتركة وتعود بالتنمية والرفاه على الشعبين الشقيقين ».جريا على العادة فإن المباحثات الثنائية التي تعكس أيضا، الانسجام التام تميزت بالتأكيد « على طموح البلدين الشقيقين لإقامة شراكات اقتصادية استراتيجية مشتركة رائدة على مستوى الأسواق الإقليمية والدولية، لاسيما مع الفضاء الإفريقي ».
إن التاريخ والحاضر يشهدان على أن النجاح سيكون حليف هذه الشراكة متعددة الأبعاد لأنها تنبني « على رصيد العلاقات الثنائية ونجاح تجربة الاستثمارات الإماراتية في المغرب »، ونأتي « دعما لبرنامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية لسنوات 2024-2029 ومواكبة لتطور البنية التشريعية والتنظيمية التي تضمن فرص استثمارية واعدة ومناخ أعمال جاذب »، فنحن لسنا بصدد طبعة مزيدة ومنقحة فحسب، إن الأمر يتعلق بثورة بلدين وقيادتين.
وتأسيسا على ما سلف، عقد قائدا البلدين، العزم على أساس التوافقات المدونة في الإعلان التاريخي والمعزز للشراكة المغربية الإماراتية « العمل على إقامة شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة ».إن ما حدث هو بمثابة بعث روح جسد متكامل القوام سالم ومعافى، ومن شأن الأهداف والمبادئ المدونة في البيان نفسه أن تقود إلى الغايات المتمثلة في « العمل على ترجمة التكامل بين البلدين إلى تعاضد نوعي واستثمار مستدام، للرقي بعلاقاتهما الثنائية الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والصناعية إلى مستوى روابطهما السياسية والشعبية العميقة، وذلك خدمة لأهداف التنمية والرفاه المشتركة »، وهي غايات غنية بالدروس والعبر، وتنطق بالصدق المنزه بكل ما تحمله الكلمة من معنى الشك.
لقد أسس المغرب والإمارات لمرحلة جديدة تعزز ما سبق وتفتح أبواب الأمل لما هو آت. وستكون شراكتها عابرة لكل المجالات، وحاضرة على كل الجبهات، وهو ما جرى التعبير عنه بـ »إرساء نموذج تعاون اقتصادي واستثماري شامل ومتوازن، منفتح على القطاع الخاص ويعود بالفائدة والتنمية على الجميع ».
أكيد أن البيان التاريخي جاء ليعلن عن ثورة حقيقة في الشراكات، ويقدم نموذجا غير مسبوق، وجاء، أيضا، ليؤكد أن أسباب النجاح وبلوغ الأهداف مضمون لأنننا لسنا بصدد إعلان نوايا، بل تأسيس من أجل التكريس، وهذا ليس انطباعا وليد اللحظة، بل نتيجة معايشة القفزات التي تحققت في إطار العلاقة المتينة بين البلدين الشقيقية.
إنه أيضا ثمرة امتداد لما استلهمه قائدا البلدين من والديهما الرحلين، ونتيجة اجتها قائدين يسايران ما شهده العصر من تطورات ويستشرفان مستقبل العلاقات، ويؤمنان مستقبل بلديهما وشعبيهما.
إن ما أسفرت عنه هذه الزيارة الناجحة بكل المقاييس، يعد كتابة مسبقة بمداد نادر، لتاريخ ينبئ بغد مشرق ومشرف للمغاربة والإماراتيين.