ورغم هذه المناورات السياسية فشل فيجو للمرة الثانية في نيل ثقة البرلمان لتشكيل الحكومة الإسبانية يوم الجمعة 29 شتنبر الجاري بعد فشله في الحصول على 176 صوتا وهو العدد المطلوب لتشكيل الحكومة، حيث حصل على 172 صوتا وعارض تنصيبه رئيسا للحكومة 177 صوتا من أحزاب اليسار والأحزاب القومية والانفصالية.
بناء على هذه النتائج من المنتظر أن يكلف الملك فيليبي السادس، زعيم الحزب العمالي الاشتراكي بيدرو سانشيز بتشكيل الحكومة لكون حزبه حل ثانيا خلال الانتخابات الأخيرة، وذلك بناء على ما ينص عليه الدستور الإسباني.
إننا ندرك أن تشكيل حكومة يسارية بقيادة الحزب الاشتراكي أصبح الآن ممكنا، لكن سيكون ثمن التحالف اليساري بشروط مكلفة، علما أن أي فشل في تشكيل الحكومة سيؤدي إلى انتخابات جديدة يعقبها اضطراب في الحقل السياسي والاقتصادي، وهي ليست في صالح إسبانيا سواء على مستوى علاقاتها الداخلية أو في محيطها الإقليمي والدولي.
لكن الثابت من كل هذا، وبعيدا عن ميدان المناورات السياسية والتراشق وتوجيه الضربات بين اليمين واليسار، أن صانع القرار الإسباني وبناء على معطيات واقعية وموضوعية واستشرافية يدرك جيدا أن العلاقة مع المملكة المغربية ضرورية بالنسبة لأمن إسبانيا واستقرارها، وأنه لامجال للخطابات الشعبوية والسياسات السياسوية، مما يعطي أملا في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجارين ويؤسس لاندماج فعال لضفتي البحر الأبيض المتوسط انتصارا لعلاقة واقعية تطمح إلى المستقبل بروح من الثقة والتعاون ،علما أن إسبانيا هي أول شريك تجاري للمغرب على مستوى الصادرات والواردات، والمغرب هو ثالث شريك تجاري لإسبانيا من خارج الاتحاد الأوربي وأول وجهة للصادرات الإسبانية في إفريقيا، كما أن المغرب يلعب دورا محوريا في محاربة الهجرة غير النظامية ومافيا تهريب المخدرات وشبكات الاتجار في البشر علاوة على جهود التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين لمواجهة التطرف والإرهاب.
لقد تعلمنا من الواقعية السياسية أن هناك فرقا بين التدبير الحكومي الخاضع لطبيعة التحالفات، والقرارات الاستراتيجية التي ترتكز على لغة المصالح، وأن منطق الجيوسياسة يرفض إقامة تحالفات مع كيانات وهمية انفصالية أو مع أنظمة عسكرية فاشلة مآلها إلى زوال...
إن المملكتين المغربية والاسبانية محكوم عليهما بالتعاون والشراكة المربحة للطرفين. إذ تؤكد دروس التاريخ والجغرافيا على أن بناء علاقة وطيدة للأجيال المقبلة يلزمه الوضوح وتبادل الثقة حتى نكون معا على موعد مع التاريخ...