قد يكون من الصعب تخيل أن رجلا سياسيا مغربيا جايل 6 دساتير و تسع ولايات برلمانية، وحضر لتأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والأحزاب الكثيرة التي خرجت من رحمه، بل وعايش ثلاثة ملوك، وفوق هذا لا زال يتقدم في دائرته بالقصيبية بسيدي سليمان، بل ويكتسح منافسيه، والأعحب أنه لا يحتاج لحملة انتخابية ليعود لكرسيه الوثير والمحفظ في اسمه منذ 53 سنة.
منذ مدة غير يسيرة، ظل عبد الواحد الراضي يقارن بفيديل كاسترو، كأقدم سياسيين في العالم، بيد أنه وسط زحمة الأرقام، اتضح أن الاثنان معا لم يكونا يحملان هذه الصفة، بل حملها البرلماني الأمريكي جون دينغل، الذي ظل برلمانيا طيلة 59 سنة، اي منذ سنة 1955 إلى غاية 2014، ومنذ هذا التاريخ، ومنذ اعتزال كاسترو السياسة، يحق لابن سيدي سليمان أن يفتخر بتفرده بلقب أقدم برلماني في العالم، إذ ضمن على الاقل، لو افترضنا أن الولاية الحالية هي الأخيرة له، أن تستمر مهامه إلى غاية 2021، أي 58 سنة من "خدمة الشعب"، أطال الله عمره !
ولد عبد الواحد الراضي بسلا قبل 81 سنة، إلا أن ارتباطه بسلا لم يدم طويلا، قبل أن يطير إلى جامعة "السوربون" هناك حيث درس علم النفس، ولا عجب أنه فهم "نفسية" السياسة المغربية، حتى أضحت تلاوة اسمه بين نواب الأمة أمرا روتينيا وطقسا لا بد منه في جلسات البرلمان.
ورغم حمله لصفة برلماني منذ سنة 1963، إلا أن عبد الواحد الراضي ظل يمر دون جلبة، خصوصا إذا علمنا أنه عايش الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في عز قوته الجماهيرية، وصداماته مع القصر، لكن يبدو أن صداقة الراضي بالوزير القوي آنذاك ادريس البصري لم تكن لتتعكر بوحل السياسة.
ولئن كان الاتحاديون، وللصدفة، منذ 1965، يطالبون وزارات العدل المتلاحقة بالكشف عن مصير جثة ابنهم المهدي بنبركة، فقد شاءت الصدف أن يتحمل عبد الواحد الراضي حقيبة العدل في الفترة سنة 2007، فلا هو فتح الملف من جديد ولا هو سمع نداءات رفاقه الاتحاديين.
ولج عبد الواحد الراضي ميدان السياسة مبكرا، حيث تقلد مسؤوليات عديدة بدءا من عضوية المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي عام 1962، ثم عضوا في لجنته الإدارية عام 1996، ثم عضوا بالمكتب السياسي لحزب منذ عام 1989. كما شغل مسؤولية نائب للكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي سنة 2003، وغدا كاتبا أول في سنة 2008، وبين هذه المهام عينه الحسن الثاني وزيرا للتعاون سنة 1983، وعينه محمد السادس وزيرا للعدل سنة 2007.
يجمع مسار الراضي الشيء ونقيضه، فقبل 53 سنة دخل البرلمان كأصغر نائب على الإطلاق، وها هو اليوم شيخ البرلمانيين، وكبيرهم الذي علمهم السياسة.. هو الرجل الاشتراكي الذي لا يجد حرجا في كونه أكبر ملاك الأراضي في سيدي سليمان، حتى لقبته ألسنة السوء بـ"عبد الواحد الأراضي".
لكي نفهم ما ترمز له 53 سنة من التواجد تحت قبة البرلمان، فهذا يعني أن عبد الواحد الراضي عاصر انتخاب حوالي 3055 نائبا برلمانيا، وهو عدد المقاعد البرلمانية عبر تاريخ هذه المؤسسة، دون احتساب من انتخب مرتين أو أكثر.. 53 سنة من العمل البرلماني، تعني أن عبد الواحد الراضي عاصر حالة الاستثناء، وانقلابي 1971 و 1972، والمسيرة الخضراء، واسترجاع واد الذهب سنة 1979، وأحداث 1981 المعروفة بـ"كوميرا" و التقويم الهيكلي سنة 1983، وتأهل المنتخب المغربي للدور الثاني في مكسيكو 1986، وتفجير قضية "سجن تازمامارت" في البرلمان، والتناوب التوافقي، وتجرية الإنصاف والمصالحة ومقترح الحكم الذاتي... وظل الراضي راضيا بمنصبه إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا !