كزافيي دريانكور يكتب: هل ستجرؤ الجزائر على الاعتراف بإسرائيل يوم 22 شتنبر؟

كزافيي دريانكور

في 20/09/2025 على الساعة 10:11

ننتظر إذن بترقب أن تُنفذ الجزائر، يوم 22 شتنبر، قرار رئيسها وأن تعترف بدورها رسميا بدولة إسرائيل، وتقيم معها علاقات دبلوماسية، بما في ذلك افتتاح سفارة جزائرية في تل أبيب! تبون حدد حتى جدولا زمنيا دقيقا، مؤكدا أن الاعتراف سيتم «في اليوم نفسه»!

في 22 شتنبر، ستعترف فرنسا بدولة فلسطين كدولة مستقلة. وبذلك ستدخل فلسطين إلى الأمم المتحدة بصفتها دولة، مع ما يترتب عن ذلك من التزامات. هذا التطور، مهما كان الموقف منه، يعود بدرجة كبيرة إلى المبادرة الفرنسية ورئيس الجمهورية الذي قرر اتخاذ هذه الخطوة وأقنع عددا من الدول باتباعه. أستراليا وبلجيكا وكندا والمملكة المتحدة ستسير فعلا خلف فرنسا في هذا المسار. هذه الدول الخمس تنضم إلى لائحة الدول التي اعترفت بالفعل بفلسطين، فيما لم يتبق سوى 24 دولة ترفض اليوم الاعتراف بها، من بينها الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا.

بعد عقود من التصويت على القرار 181 للأمم المتحدة سنة 1947، الذي أدى إلى تقسيم فلسطين الخاضعة حينها للانتداب البريطاني، تلوح مرحلة جديدة ورسمية تؤدي إلى نشأة دولة جديدة إلى جانب إسرائيل. منذ 1947 وقعت تحولات كبرى، لعل أبرزها تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وأربع حروب متعاقبة (1948، 1967، 1973، والحرب الأخيرة منذ 7 أكتوبر 2023). هذه الحرب الأخيرة بالذات سرّعت الأحداث، مع تنامي موجة معاداة السامية التي غذّاها أنصار حماس، بالتوازي مع الدعم الواسع لحركة « فري فلسطين ».

لكن أي فلسطين هي تلك التي سيُعترف بها كدولة في 22 شتنبر؟ هل ستكون دولة تهيمن عليها حماس، وبالتالي عدوا وجوديا لإسرائيل؟ أم دولة تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية تواصل النهج الحالي بقيادة محمود عباس؟ أم ربما شكلا جديدا أقرب إلى تجربة الجماعة الأوروبية ثم الاتحاد الأوروبي لدى الدول الأوروبية، أي بناء «فريد من نوعه» تحت الوصاية السياسية والمالية لدول الخليج مثلا؟

إن القرار الفرنسي ينطوي على مخاطر جمّة: أولا لأن رئيس الجمهورية تراجع عن الشروط التي كان قد وضعها سابقا، وعلى رأسها تحرير الرهائن الإسرائيليين؛ وثانيا لأنه قد يغذي موجة جديدة من معاداة السامية في فرنسا وأوروبا، فقط لأنه سيُنظر إليه كتكريس لحماس. يُنسى أيضا أن 22 شتنبر، يوم الاعتراف، يصادف عيد «روش هشانا» اليهودي، أي رأس السنة العبرية، وهو تزامن غير موفق إطلاقا.

«يمكن الجزم أنه لن يكون هناك أي اعتراف بدولة إسرائيل من جانب الجزائر، رغم التصريحات (المتهورة جدا) لرئيسها، لأنه يدرك أن عليه مواجهة رأي عام مُعبأ ومحصّن بمعاداة السامية الرسمية في الجزائر»

—  كزافيي دريانكور

لكن جانبا آخر يستحق الانتباه: موقف الجزائر من هذه المبادرة. ففي حوار مع صحيفة L’Opinion بتاريخ 3 فبراير 2025، أجاب الرئيس تبون عن سؤال الصحفي باسكال إيرو، الخبير بالشأن الجزائري: «هل أنتم مستعدون لتطبيع العلاقات مع إسرائيل إذا أسفر استئناف عملية السلام في النهاية عن قيام دولة فلسطينية؟» فقال: «بالطبع، في اليوم نفسه الذي تُعلن فيه الدولة الفلسطينية. هذا ينسجم مع منطق التاريخ. أسلافي، الرؤساء الشاذلي وبوتفليقة، كانوا قد أوضحوا أنهم ليست لديهم أي مشكلة مع إسرائيل. همّنا الوحيد هو قيام الدولة الفلسطينية». قد يُغري المرء أن يقول لتبون: «هل تجرؤ؟»

وعليه، ننتظر إذن أن تنفذ الجزائر، يوم 22 شتنبر، قرار رئيسها وتعترف رسميا بدولة إسرائيل وتقيم معها علاقات دبلوماسية، بما في ذلك فتح سفارة جزائرية في تل أبيب! تبون حدد حتى موعدا دقيقا، مؤكدا أن الاعتراف سيتم «في اليوم نفسه»! ولا شك أن اعتراف الجزائر بإسرائيل سيكون خطوة كبرى وقد يشجع دولا أخرى على أن تحذو حذوها. المغرب كان قد اعترف بإسرائيل، وآنذاك قطعت الجزائر علاقاتها مع الرباط متهمة جارتها بـ«الخيانة» و«الجواسيس الصهاينة بجوازات مغربية»!

ومع ذلك، كان بوتفليقة قد قام ببعض الانفتاحات في هذا الاتجاه، ملوّحا منذ زمن بأن الجزائر قد تعترف بإسرائيل بمجرد قيام الدولة الفلسطينية. كما أنه في جنازة الملك الحسن الثاني التقى الرئيس الجزائري برئيس الوزراء الإسرائيلي، وتكرر الأمر لاحقا في باريس خلال تأسيس «الاتحاد من أجل المتوسط».

لكن سرعان ما يتضح أن تصريحات تبون في فبراير الماضي لم تكن سوى كلمات ظرفية، وعبارات موجهة للرأي العام الفرنسي لا للاستهلاك الداخلي الجزائري. فالأمر الأبرز الذي يطغى في النهاية هو «معاداة السامية الرسمية» في الجزائر. ففي نفس المقابلة يوم 3 فبراير، حين سئل تبون عن معاداة السامية الجزائرية، أجاب: «هل هناك مشكلة مع التاريخ اليهودي للجزائر؟ لا، هذا مجرد جدل. الجزائر استضافت عدة طوائف وديانات خلال آلاف السنين، بمن فيهم اليهود الذين هم جزء لا يتجزأ من تاريخ الجزائر».

لكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة؛ إذ يعلم كل من يعرف قليلا عن الجزائر أن اليهود غادروها جميعا تقريبا عام 1962 أو بعدها مباشرة، ولم يبق منهم سوى بضع عشرات. فالكراهية تجاه اليهود مقرونة بالبغض لما يسمى «الكيان الصهيوني»، تُشكل عنصرا أساسيا في العقيدة الخارجية الجزائرية التي يتبناها عبد المجيد تبون بفخر.

لذلك يمكن الجزم أنه لن يكون هناك أي اعتراف بدولة إسرائيل من جانب الجزائر، رغم التصريحات (المتهورة جدا) لرئيسها، لأنه يدرك أن عليه مواجهة رأي عام مُعبأ ومحصّن بمعاداة السامية الرسمية في الجزائر. وهذا بلا شك ما يبعث على القلق: فأي انفتاح من هذا القبيل سيصطدم داخليا بمعارضة رأي عام معاد لإسرائيل، وكذلك بمعارضة دوائر سياسية من بقايا جبهة التحرير الوطني أو حركة مجتمع السلم أو غيرها من التيارات الإسلامية، التي ستستنكر بقوة مثل هذه المبادرة.

تحرير من طرف كزافيي دريانكور / دبلوماسي فرنسي
في 20/09/2025 على الساعة 10:11