فالعلمانيون يرون في هذا المشروع الحضري استمرارا لسياسة أردوغان الرامية إلى "أسلمة" المجتمع التركي.
وعلى الرغم من الأداء الحكومي المتميز لحزب العدالة والتنمية على مدى 12 سنة تمكن من خلالها من الرفع من مستوى النمو الاقتصادي لتركيا (الناتج الداخلي الخام بلغ 786 مليار دولار أمريكي في 2012) وتحسين الأوضاع الاجتماعية للسكان إذ بلغ معدل الدخل الفردي 10 آلاف و504 دولارات في 2012، إلا أن هذه المكتسبات لم تشفع لحزب العدالة والتنمية في تمرير نموذجه الإسلامي في الحكم.
ويرى محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الحركات الإسلامية، أن "هناك شعورا بأن النجاح الاقتصادي في تركيا قد يفضي إلى تعزيز مشروعية الاسلاميين لفرض خياراتهم الثقافية".
واعتبر في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن ما تشهده تركيا من احتجاجات ظاهرها سياسي وباطنها ثقافي، مشيرا إلى وجود فئات حداثية تدافع على الإرث العلماني وتتخوف من استغلال حزب العدالة والتنمية لموقعه لفرض خياراته على الشعب التركي.
غير أن ضريف لم يستبعد أن تكون هناك علاقة بين ما يجري في تركيا حاليا وموجة الحركات الاجتماعية التي شهدتها المنطقة في السنتين الأخيرتين.
ويقول ضريف في هذا الصدد "لا يمكن عزل الاحتجاجات في تركيا عما يجري في سوريا، حيث أن هناك تداخلات عرقية ومذهبية بين بعض المكونات في سوريا وتركيا خاصة الطائفة العلوية التي لها امتداد في تركيا".
وأضاف أن المنطقة تشهد صراعا بين رموز الشيعة والسنة "وهنا لا ننسى أن تركيا قدمت نفسها كمدافعة عن المذهب السني" في إشارة إلى احتمال تدخل بلدان أجنبية لتأجيج الصراع في تركيا.
وبين من يفسر الاحتجاجات في تركيا بعوامل داخلية وأخرى إقليمية، هناك رأي يعتبر أن الاحتجاجات التي يواجهها حزب أردوغان مؤشر على فشل النموذج الإسلامي للحكم الذي حاول هذا الحزب إقامته والذي قد يفتح موجة جديدة من الاحتجاجات في المنطقة العربية خاصة في البلدان التي حمل فيها (الربيع العربي) حكومات إسلامية إلى السلطة خرجت للتو من أنظمة سلطوية لتدخل أزمة تدبير الحكم.
وأكد منار السليمي أستاذ العلوم السياسية أن الاحتجاجات في تركيا "بداية ربيع جديد ضد الاحزاب الاسلامية "، مشيرا إلى أن الأتراك أدركوا أنه رغم الرفاه الاقتصادي الذي حققه حزب العدالة والتنمية إلا أن هناك إحساسا بتراجع في الحقوق والحريات.
ويرى أن نموذج حزب العدالة والتنمية في تركيا "وصل الى نهايته حيث لم يستطع أن يوفق بين العمل السياسي ومرجعيته الإسلامية مما أدخله في اصطدام واحتكاك مع دعاة الحرية والشباب الأتراك"، وذلك رغم "فكرة المؤامرة" من الحزب الشعبي التي يؤكدها أردوغان.
وقال إن النموذج التركي، الرفاه الاقتصادي مقابل الحد من الحريات، "أدخل حزب العدالة والتنمية في صراع مع التاريخ ومع الحريات وأصبح يواجه شبابا له مطالب أخرى".
وتشهد تركيا منذ أزيد من ثلاثة أيام موجة من الاحتجاجات اندلعت بعد الإقدام على قطع أشجار في متنزه بميدان (تقسيم) في إطار خطط حكومية ترمي إلى بناء مسجد جديد وإعادة بناء ثكنة عثمانية.