لم يكن ينتظر بان كي مون هذا الجدل الذي رافق انزلاقاته وخرجاته غير المحسوبة حول ملف الصحراء، فقد تفاجأ بالأثر الإعلامي لملف، كان يعتبره "هامشيا" بين ترسانة الملفات الموجودة على طاولته.
وعلم Le360 من مصادر مؤكدة، أن "الأمين العام للأمم المتحدة، أن ملف الصحراء، لم يكن قط ذا أولوية في نظره، وأنه كان منكبا على قضايا يعتبره أكثر أهمية، وأنه أقر بكون مساعديه من يتقنون الملف، وأنه اكتفى بمتابعة التوصيات التي يرفعها إليه فريقه، بعد زيارته لمخيمات تندوف بالجزائر".
هو اعتراف صارخ إذن، بكون المسؤول الأول في منظمة الأمم المتحدة لا يضبط ملف الصحراء، ولا يقتصر دوره سوى على تنفيذ ما يمليه عليه مساعدوه... اعتراف يشرح مدى "اندهاش" كي مون من تبعات الأزمة التي تسببت بها تصريحاته.
اعتراف بان كي مون بجهله للملف قد يفاجئ الجميع إلا المغرب، فمنذ سنوات، لم يكف المسؤولون المغاربة من التأكيد أن الأمين العام للمنظمة لم يكلف نفسه استيعاب ملف الصحراء بتلابيبه، مكتفيا بتقارير مساعديه، "الذين لا يرفعون لكي مون سوى ما يريدون" يقول مصدر مقرب من الملف.
وباعترافه هذا أمام مجلس من مساعديه، يكون المسؤول الأول في الأمم المتحدة قد عبر عن نيته التملص من مسؤوليته، غير أن هذا المستجد يؤكد فعلا أن الأمين العام لا يقرر في كل شيء داخل المنظمة. فحينما ينفذ كي مون بالحرف نصائح فريقه حول ملف الصحراء، فمعناه أن لا رأي له على أرض الواقع، ما يجعله دمية في يد المحيطين به.
هم إذن مساعدو بان كي مون من أصروا على استعمال كلمة "احتلال"، علما أن أسلافه الخمسة، لم ينزاحوا عن حيادهم، مثل ما فعل كي مون حينما استعمل كلمة تميل للطرح الانفصالي.
هم مساعدو كي مون من دفعوا به إلى رفع شارة النصر، حينما كان بين أحضان الانفصاليين، ودفعوا به ليظهر قرب علم جمهورية الوهم، التي لا وجود لها ضمن دول منظمة الأمم المتحدة.
هم مساعدو كي مون، الذين دفعوه إلى القيام بدور اللوبي لدى أعضاء مجلس الأمن، من أجل دفعهم ليطلبوا من المغرب التراجع عن سحب المكون المدني من "المينورسو".
الأعضاء المدنيون في المينورسو: نهاية النعيم
لقد شكل إبعاد 84 عنصرا مدنيا من المينورسو، من طرف المغرب، كابوسا حقيقيا لمساعدي بان كي مون، ولا أدل على ذلك سوى ما جاء في كلام المتحدث الرسمي باسم كي مون، ستيفان دوجاريك، الذي قال "حينما يقرر سحب السائقين، الساهرون على أمن الرحلات، تقنيو المكيفات، خبراء التواصل، وحتى المستشارين السياسيين... يصبح من الصعب استكمال المهمة". نعم كما قرأتم ! سائقون وتقنيو مكيفات.. وكأن الصحراء أرض خلاء، ولا بد من هؤلاء لاستمرار وجود المينورسو.. أما فيما يخص الآخرين، "خبراء التواصل" و "المستشارون السياسيون"، فنفهم أنهم يريدون إطالة إقامتهم بالصحراء، لا لشيء سوى لتلك الرواتب السمينة، التي تتراوح بين 6000 و 15000 دولار شهريا. علما أنهم غير مجبرين على المساس بالراتب، مادامت مصاريف الإقامة والأكل لـ84 عضوا مدنيا، تؤدى من طرف المغرب، بل وحتى فيما يخص المحروقات، فهم يستفيدون من دعم الدولة المخصص للأقاليم الجنوبية.
منذ سنة 1991، استفاد المكون المدني لبعثة المينورسو من رغد العيش على حساب المغرب، ولا نكاد نسمع لهم صوتا إلا حينما يدبجون تقارير تمس المغرب.
لماذا سيستمر المغرب إذن في أداء مصاريف عطلة مفتوحة لـ84 موظفا للمينورسو؟ إذا كان هؤلاء يرفلون في نعيم على حساب المغرب؟
سيستمر عمل اللوبيينغ من أجل الحفاظ على هؤلاء الموظفين، فقد وضع بان كي مون هذا الموضوع على رأس جدول أعمال "غذاء غير رسمي" يجمعه شهريا بالسفراء الخمس عشر لمجلس الأمن. هذا اللقاء سيكون يوم الاثنين المقبل، ليطرح السؤال: هل من اعترف أنه لا يلم بملف الصحراء، مستعد ليصغي لرأي الأعضاء العارفين بخبايا الملف؟ أم سيأتي كعادته رفقة مساعديه ليردد الأسطوانة المشروخة؟