هذا الدون كيشوت، تتجسد شخصيته في دنيا الواقع في كثير من الحالات، بل هناك أنظمة سياسية تعاني هي الأخرى من هذه الأعراض والتهيؤات، حتى يمكنها أن تخال نفسها سليلة الشمس المقدسة والمحور الذي يدور حوله العالم ونقطة الضوء فيه، رغم أنها دول فاشلة ومنهارة.
يشير وليام زارتمان، في حديثه عن الدولة المنهارة، إلى أنها تلك التي لم تعد لها القدرة على القيام بوظائفها الأساسية ولا تستطيع ضمان النمو الاقتصادي أو أي توزيع عادل للسلع الاجتماعية، وغالبا ما تتميز بانعدام المساواة الاقتصادية والمنافسة العنيفة على الموارد وتنامي حالة من ازدواجية المسؤولية الأمنية، حيث تتمتع جهة بسلطة تضاهي سلطة الدولة، ووجود حالة من عدم الاستقرار السياسي وتدهور الاقتصاد الوطني وازدياد معدلات الفساد والانهيار القيمي والأخلاقي والمجتمعي حين ينخرط الجميع في خطاب تضليلي، وهذا ما ينطبق على النظام العسكري الجزائري الذي يوهم أتباعه ومريديه أنهم قوة ضاربة ومكة الثوار وملجأ حرائر العالم... والعديد من الترهات. إنه نظام يمتطي صهوة حصان أعرج ويخال نفسه من الفاتحين منتشيا بوهم «الزعامة» الإقليمية رغم القهر الاجتماعي والغلاء المعيشي وأزمة الطوابير التي أضحت محل تنكيت وتبكيت.
والثابث في تاريخ الأنظمة السياسية أن عدم التفاعل بمضادات حيوية لمواجهة هذه الأعراض تكون من الأسباب التي تسرع دخول الدولة إلى حالة الفشل.
ولعل أعراض هذا الفشل المغالاة في الأحلام والخيالات، من مستملحات ذلك أن النظام العسكري الجزائري اعتبر انتخابه في عضوية مجلس الأمن لفترة 2024-2025 نصرا مبينا، لدرجة أن المدعو محمد سيداتي، ممثل «جمهورية» الوهم اعتبر أن «القوة الضاربة أصبحت في موضع يتسنى لها من خلاله مساهمة فعلية وفعالة في معالجة القضايا التي تشغل بال المنتظم الدولي»، وأنها «ستشكل قيمة مضافة داخل مجلس الأمن، وهي برصيدها ومكانتها إفريقيا ودوليا ستلعب دور الريادة»، كما توهم أن دولة الكراغلة «ستساهم في حل القضايا المطروحة في أجندة الأمم المتحدة لما تتمتع به من احترام وتقدير من خلال مواقفها المبدئية من أجل إشاعة وإحلال السلم..! وذاك قمة النفاق من أهل الشقاق.
ولتخدير وتنويم الشعب الجزائري الشقيق المغلوب على أمره، خرج قصر المرادية ببيان كله خيالات وأوهام وأكاذيب، حين أكد بالحرف أن «نهج الجزائر هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول»، بل إن عراب خارجيتهم المسمى أحمد عطاف ادعى بدون حياء أو خجل أن دولة «الكراغلة العظمى تسعى إلى السلم الإقليمي وإلى تعزيز مبدأ حسن الجوار».
ومن المعلوم أنه بالإضافة إلى الجزائر، انتخبت كل من سيراليون وكوريا الجنوبية وغويانا وسلوفينيا، والمثير أن لا أحد من هذه الدول بدأ في التطبيل والتهريج وتدبيج الشعارات والنفخ في الأدوار والقدرات، حتى أن دولة سيراليون التي انتخبت لشغل المقعد الثاني في إفريقيا بنتيجة أفضل من الجزائر بأغلبية 188 صوتا من أصل 193، لم تعط للموضوع أكبر من حجمه، ولم تعتبر ذلك انتزاعا وفتحا دبلوماسيا لدولة السيراليون العظمى.
وللتذكير، فإن مجلس الأمن الدولي يتألف من 15دولة، خمس منها دائمة العضوية وهي: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، وهي الدول التي لها حق النقض ضد أي قرار، وعشر دول يتم انتخابها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة سنتين تماشيا مع التوزيع الجغرافي حسب المناطق حول العالم، ويختار مجلس الأمن في كل شهر رئيسا للمجلس بالدور، طبقا للحروف الأبجدية لأسماء الدول الأعضاء، وعلى رئيس المجلس التنحي عن الرئاسة إذا عرض على المجلس نزاع تكون دولته طرفا فيه، ويعد نظام التصويت المتبع في مجلس الأمن من الخصائص المميزة لهذا الجهاز عن غيره من أجهزة الأمم المتحدة، حيث نجد في الميثاق ما يحدد الأسس الواجب اتباعها كما ورد في المادة (27) الفقرة (3)، إذ يشترط المجلس في قراراته وتوصياته الحصول على الأغلبية (تسعة أصوات) متضمنة الموافقة الإجمالية للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لإمكان إصدار القرار، ويترتب على عدم تحقيق الموافقة الإجمالية للدول دائمة العضوية واعتراض أحدها فقط (حق النقض أو الفيتو) عدم صدور القرار، وهي ميزة لهذه الدول الخمس تساعدها على تحمل مسؤولياتها في حفظ السلم والأمن الدوليين.
إن الهدف الوحيد للنظام العسكري الجزائري هو محاولة استغلال ولايته في المجلس لتعزيز موقفه المتحيز بشأن قضية الصحراء المغربية، وهذا ماعبر عنه المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة السفير عمر هلال في رسالة إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن الدولي، مبرزا أن الجزائر هي بالفعل صاحب المصلحة الرئيسية في هذا النزاع الإقليمي الذي خلقته وتحافظ عليه في انتهاك لقواعد حسن الجوار والأسس القانونية والتاريخية والسياسية لمغربية الصحراء.
ولأن الأمراض تتطور وتتفاقم، استغل النظام العسكري الجزائري انطلاق أشغال الاجتماع الوزاري 11 للجنة رؤساء الدول والحكومات العشر للاتحاد الإفريقي لإصلاح مجلس الأمن الذي انعقد مؤخرا بالجزائر وبدأ يروج للكثير من الأوهام المرضية من قبيل أن الجزائر قادرة على إصلاح مجلس الأمن الدولي وأنها تسعى لحجز مكان بين الكبار، وأنها تمهد أن تكون لاعبا أساسيا في المتغيرات الدولية عبر امتلاك مقعد دائم في مجلس الأمن بل إنها قادرة على تغيير طبيعة التصويت في هذه الهيئة الدولية من أجل نصرة القضايا العادلة وعدم التدخل في الشؤون السيادية للدول.
إن مجلس الأمن الدولي يعي جيدا أن النظام العسكري الجزائري يمارس انتهاكا ممنهجا لحقوق الإنسان ولمواثيق القانون الدولي ويشجع على الإرهاب من أجل زعزعة المنطقة حتى يبدو قوة إقليمية وهمية.
معشر الكراغلة، وأنتم تدبجون خواطركم التي تشبه الهذيان، تيقنوا أن حبل الكذب قصير ورغم ذلك سيلتف على أعناقكم... والأيام بيننا...