تخيلوا عالما مقلوبا: الحقائق تتحول إلى كاريكاتور، المنطق يُلوى، والحدود بين الواقع والخيال تتلاشى.
لقد استكشفت الأدبيات والمسرح هذه العملية لفترة طويلة. في كتاب لويس كارول «عبر المرآة» أو مسرحية بيرانديلو «ست شخصيات تبحث عن مؤلف»، تتحول إلى لعبة وهمية، وقصة يتكرر فيها الخيال.
ولكن عندما تنخرط جريدة، من المفترض أن تكون وسيلة إعلامية، في هذا الأمر، يصبح الفارق شاسعا. لم تعد لعبة: إنها خداع. والهاوية لم تعد جمالية بل أخلاقية.
بدلا من التنوير، تتصرف الجريدة بشكل مسرحي. يأخذ التحقيق شكل مرآة محدبة تعرض كليشيهات استشراقية وشائعات.
تتحول الخصوبة الإبداعية للخيال إلى عقم صحفي، غير قادر على إنتاج أي شيء سوى انعكاسات متحيزة موجهة نحو الإثارة. الجريدة لا تصف المملكة: بل تقدم عرضها الخاص.
الفصل الأول: 24 غشت. العنوان: «في المغرب، أجواء نهاية عهد محمد السادس ». هذا كل شيء! إعادة اجترار للأسطوانة القديمة: صحة الملك كخيط سردي، مؤامرات القصر كخلفية، والانتقال الملكي كـ«لازمة».
لا شيء يفلت من عدستهم المشوهة: كل واقعة، حتى الإيجابية منها، تُقلَب منهجياً ضد موضوعها. ما يمكن أن يُترجم استمراريةً ملكية يُختزل في «إخراج مسرحي». ما يدل على نشاط بروتوكولي يُحطّ إلى «تواصل». ما يثبت عودة إلى الفعل يُحوَّل إلى «اصطناع».
المشهد معدّ، الضوء محذوف. لا يبقى سوى ظلام مسلط من شياطينهم هم.
الفصل الثاني: 25 غشت، وعلى نفس المنوال: «محمد السادس، شباب في ظل الحسن الثاني». تناقضات بالجملة، شكوك بالجملة، حركة ذهاب وإياب بين تأويلات تكهنية ووقائع ملاحظة... يعلوها جميعا خليط من « علم نفس المقاهي » وثرثرة سوقية أقرب إلى أكشاك الفضائح منها إلى قاعة تحرير محترمة.
الفصل الثالث: «ملك بإصلاحات غير مكتملة». نعم، ذُكرت بعض الإصلاحات. لكن تغييب شبه كامل للمشاريع العملاقة، وتقييم ناقص تماما للمنجزات البنيوية. لا ذكر لميناء طنجة المتوسط، الأول في إفريقيا. لا ذكر لمحطة نور ورزازات، الأكبر عالميا في الطاقة الشمسية.
طبعا ليس كل شيء مثاليا، ونحن نقول ذلك داخليا من دون الحاجة إلى عيون حاقدة. بعض الإصلاحات ما تزال ناقصة أو قابلة للتجويد. لكن أن تختزل دائما بــ« لكن » قاتلة، وأن يُعاد كل شيء إلى عيب ما: فتلك آلة تشويه، متوقعة كمسلسل رديء.
والحال أنها فعلا مسلسل! استراتيجية « درامية » من ست حلقات، على طريقة Game of Thrones غريبة الأطوار، لجمهور باريسي.
الفصل الرابع، 27 غشت: «محمد السادس، ملك المناورات الدبلوماسية الكبرى». هنا يتضح المخطط أكثر: تحت ستار «تفكيك الدبلوماسية المغربية»، تُختزل كل المكاسب في ابتزاز أو دعاية رسمية أو انتهازية.
الاستثناء الوحيد ــ الممنوح على استحياء ــ هو الاعتراف بأن المغرب عرف كيف يحوّل وزنه الإقليمي ليصبح فاعلا لا غنى عنه. لكن حتى هذا الاعتراف يُقزَّم فورا، ويُحال إلى « بروباغندا » أو صراع مع الجار الشرقي.
المهزلة مستمرة...
لم يعد دور جريدة لوموند هو الإعلام أو فك الشفرات، فقد ارتدت زي المهرج هارليكوين متعدد الألوان.
في هذا البناء السردي، الدائرة مغلقة سلفا: لا مجال لوجهات نظر أخرى ـ الاستقرار الإقليمي، التعلق الشعبي، النظرة الداخلية. الأصوات التي تُستحضر دائما هي «دبلوماسيون غربيون» أو «خبراء»، بينما المغاربة يظلون خارج الصورة.
في مملكة «لوموند»، الشعب محذوف: انعكاس بلا صوت، مرآة بلا عمق.
هذا الصمت المفروض يقابله تودد خانع لآخرين
ما يثير الدهشة بشكل خاص هو عدم التكافؤ: يتم تشريح المغرب بالشك والريبة، بينما يتم تلميع صورة الجزائر حتى تصبح غير مرئية. لا كلمة عن التطهيرات العسكرية، الجمود السياسي، الاقتصاد المستنزف، الاعتقالات التعسفية... ومع ذلك، في الأشهر الأخيرة، كان من الممكن أن تغذي الأحداث الجارية في العلاقات بين الجزائر وباريس تحقيقات معمقة بدلا من هذا التساهل المحير.
بل وأكثر من ذلك: وكأنها صدفة، بين هجمتين على المغرب، تنشر الصحيفة مقالة مشتركة بتوقيع عميد مسجد باريس والكاردينال الجزائري. نص أنيق، يحتفي بالصداقة المستعادة.
توقيت مثالي: إضعاف الرباط، لمغازلة الجزائر.
خيار تحريري يبدو أقرب إلى صفقة إعلامية-سياسية. هل تسعى بعض الأصوات، في باريس كما في الجزائر، إلى استئناف التواصل؟ الجريدة تقوم بتعديل تركيزها وتلعب دورها.
هل كان الناس يضللوننا بشأن دور جريدة كبيرة؟ هل أوجدت للإعلام، أم لمواكبة مناورات الدوائر الحكومية، أو حتى المكاتب الغامضة؟ عندما تشوه وسيلة إعلامية مهمتها وتضع نفسها في خدمة التأثيرات الأجنبية، هل يمكننا أن نتحدث عن وسيلة إعلامية مستقلة، أم يجب أن نرى ما أصبحت عليه: ممثل مقنّع على خشبة الجيوسياسية؟
شاءوا أم أبوا، الملكية المغربية مؤسسة راسخة، عبرت العواصف على مدى قرون. هذه الركيزة التاريخية والسياسية تتعمد بعض الأقلام الباريسية تجاهلها، متناسية الارتباط العميق للمغاربة بمؤسساتهم وملكهم: رابطة عضوية، نسجها التاريخ، وصقلتها المحن. لا يزعزعها أي كاريكاتور مفبرك من الخارج.
ومن يمنعنا نحن أيضا من الكتابة، من دون أية مبالغة، عن انقساماتهم الاجتماعية وأزماتهم المتكررة؟ لا شك أنهم كانوا سيصرخون بالتدخل والفضيحة. أما نحن فنتمسك بمبدأ أن كلٌّ ينشغل ببيته. لكن بعض الأقلام تصر، بتعال، على تفكيكنا كعينات غريبة، ولإمتاع جمهورها، تبتكر دراما فولكلورية تجعل من المغرب كيس ملاكمة تحريري.
لكن، بكثرة توزيع الأدوار وفبركة الحكايات، وجدت الصحيفة نفسها سجينة مسرحيتها.
ويسدل الستار.
بينما يتقدم المغرب، راسخا في أسسه، فإن الجريدة، سجينة أقنعتها وعاداتها، تنزلق نحو «نهاية عهدها».
من خلال البحث عن المأساة في المغرب، لم تكتب «لوموند» سوى مأساة واحدة: مأساتها.




