في هذا الصدد يرى عالم الاجتماع الإسباني » مانويل كاستليس » أن هذه المنصات الاجتماعية قد أنتجت أنواعا جديدة من الحركات الاجتماعية على عكس الأنواع التقليدية التي تتطلب من المجموعات تجمهرات دورية للاتفاق على الأهداف وتجديد الهويات المشتركة، كما يرى أن هذه المنصات الإلكترونية تربط الصلات بين جماعات غير مرتبطة في الأصل مما يزيدها قدرة على الحشد وعلى صياغة الإصلاحات.
في هذا السياق نستحضر حملة « وقف الضرائب الجديدة على الوقود » التي قامت بها في فرنسا Jacline Mouraud في أكتوبر 2018 بنشر فيديو وجهت من خلاله خطابا مباشرا إلى الرئيس الفرنسي »إيمانويل ماكرون » ، حيث حقق نسبة مشاهدة كبيرة وصلت إلى6,2 مليون مشاهدة، وبعدها خرجت إلى الوجود حركة » السترات الصفراء » التي عرفت من خلالها فرنسا موجة احتجاجات.
بعد ذلك عرفت فرنسا تعبئة احتجاجية ضد إصلاح نظام التقاعد الذي رفضه غالبية المواطنين الفرنسيين، حيث وحسب وزارة الداخلية الفرنسية، تظاهر في أنحاء البلاد 570 ألف شخص بينهم 57 ألفا في باريس.
واليوم تعرف فرنسا احتجاجات صاخبة، جراء مقتل الفتى « نائل » برصاص الشرطة في ضواحي باريس، حيث اعترف قائد شرطة باريس » لوران نونير » في مقابلة مع تلفزيون « بي إف إم » أن تصرف الشرطي » يثير تساؤلات » فيما قال " ياسين بوزرو » محامي أسرة القتيل للقناة نفسها أن الصور »أظهرت بوضوح شرطيا يقتل شابا بدم بارد ».
لقد اتسعت رقعة الاحتجاجات في فرنسا، وعقد الرئيس الفرنسي« ماكرون » اجتماع خلية أزمة وزارية وأعلن وزير الداخلية «جيرالد دارمانان » اعتقال العشرات، وندد ماكرون في افتتاح الاجتماع بما وصفها مشاهد عنف » لا يمكن تبريرها » ضد » المؤسسات والجمهورية »، من جهة أخرى أعلن » باسكال براش » المدعي العام لضاحية نانتير، توجيه تهمة القتل العمد للشرطي الذي اعترف بإطلاقة النار على نائل، وأن الشرطي سيمثل أمام قاضيين لإتمام التحقيقات في القضية لأن «الشروط اللازمة لإطلاق النار لم تتوفر لديه».
لقد أثار هذا الحادث غضبا وانتقادات كثيرة من جانب قطاعات مختلفة من المجتمع الفرنسي، وسط اتهامات للشرطة الفرنسية بالميل إلى العنف والعنصرية، كما وقف النواب والوزراء دقيقة صمت في الجمعية الوطنية الفرنسية حدادا على القتيل، من جهة أخرى كتب « كيليان مبابي » قائد المنتخب الفرنسي لكرة القدم على تويتر عبارة «فرنسا بلدي تؤلمني».
إقرأ أيضا : الاستغلال السياسوي الوقح من طرف الحكومة الجزائرية لوفاة الشاب نائل تثير الاستياء في فرنسا
إنه وحسب العديد من معاهد الاستطلاع، فرنسا تعيش وضعا صعبا وصيفا ساخنا، حيث حذرت مذكرة للاستخبارات من اتساع رقعة العنف خلال الأيام المقبلة، وباتت شعبية « ماكرون » تعرف انخفاضا، وأن أغلبية الفرنسيين غير راضين على الوضع العام في البلاد، لدرجة دفعت « ماكرون » أن يصرح سابقا أنه « لم ينجح في مصالحة الشعب الفرنسي مع قادته » وهو أحد شعارات حملته الانتخابية.
إيمانويل ماكرون، الذي اتهمه خصومه خلال الحملة الانتخابية التي أتت به للرئاسة عام 2017 بالافتقاد لأي تجربة سياسية، وأنه « نجم صعد فجأة » بعدما قاد « حركة إلى الأمام »، إلى أين يسير بفرنسا؟ سؤال بدأ يتردد عند غالبية الملاحظين، حيث باتت وضعية حقوق الإنسان في الميزان، فرنسا ثورة الإنسان والمواطن والحرية والعدالة والإخاء والمساواة..!
و مادام الشيء بالشيء يذكر، بقي أن نشير إلى أن دروس التاريخ تذكرنا أنه في ماي 1968عاشت فرنسا أزمة اقتصادية خانقة، حيث وجد الجنرال » شارل ديغول » نفسه وحيدا في مواجهة الشوارع الغاضبة، مما دفعه لحل الجمعية الوطنية، وبعدها أعلن استفتاء حول مجموعة إصلاحات، صوت من خلاله ضده نسبة 52,41 في%، حيث بعدها أعلن ديغول استقالته منهيا بذلك العهد الديغولي.. ترى هل تطيح الحركات الاحتجاجية بالماكرونية؟ وهل ستصمد وسط هذه الأعاصير؟ وهل ستخرج قوية من رحم هذه القلاقل الاجتماعية، أسئلة نترك الأيام المقبلة لتجيب عنها رغم عدم يقينية أن « التاريخ يعيد نفسه » في كثير من الأحداث والمحطات...