هذا المثال الصارخ يعكس ما لا يجب فعله أبدا في العمل الدبلوماسي: الجزائر لا تفسر المواقف، بل تخترعها من العدم، وليس هذا بالأمر الجديد. فعبد المجيد تبون أصبح بارعا في هذا النوع من التضليل. قبل أشهر فقط، حاول النظام الجزائري نسب موقف داعم لأطروحاته الانفصالية إلى رواندا، ما اضطر كيغالي إلى تصحيح الرواية بهدوء وحزم في الآن نفسه. وانتهت القصة بدفن رسمي للكذبة في صمت إعلامي.
واليوم، يتكرر السيناريو مع إيطاليا. فبخيال واسع لا يحسده عليه إلا الروائيون، تفاخر تبون أمام الكاميرات بما وصفه بـ« دعم مشترك » من روما لـ« الشعب الصحراوي » و« حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير« ، مستشهدا بحديث جمعه برئيسة الوزراء جورجيا ميلوني. (يمكن مراجعة الفيديو ابتداء من الدقيقة 12:55).
غير أن ميلوني، المعروفة بصراحتها، سارعت إلى توضيح الحقيقة: لا وجود لأي ذكر لقضية الصحراء في تصريحاتها. تحدثت عن منطقة الساحل، والشرق الأوسط، وليبيا. وانتهى الكلام. وعلى إثر ذلك، اضطرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إلى حذف قصاصة إخبارية أولى تباهت فيها بـ« تقارب في الرؤى » بين روما والجزائر، قبل أن تنشر بعد ساعات بلاغا أكثر تحفظا، يعكس حجم الارتباك.
وزيادة على كل ذلك، جاء البيان المشترك الصادر عن الجانب الإيطالي واضحا لا يحتمل التأويل: لا ذكر لـ«الشعب الصحراوي»، ولا لـ«الحقوق غير القابلة للتصرف« ، ولا حتى لـ«تقرير المصير». فقط إشارة معتادة إلى «حل مقبول للطرفين في إطار الأمم المتحدة»، أي لا شيء يدعم ادعاءات الجزائر.
فهل ما جرى مجرد زلة؟ أم رهان على عدم التحقق من الوقائع؟ أم أنه نهج مدروس: اختلاق، تحريف، ثم المراهنة على ترسيخ الكذبة؟ في جميع الأحوال، مصداقية النظام الجزائري تتآكل مع كل حلقة جديدة من هذا المسلسل. ومن الطبيعي أن تتعامل الدول الشريكة مع تصريحاته بحذر متزايد.
ولا يخفى أن الدعم الدولي المتزايد لمخطط الحكم الذاتي المغربي يدفع الجزائر إلى الزاوية. فدبلوماسيتها المرتبكة تتأرجح بين أدوار وسرديات متناقضة: « طرف معني » يومًا، و« جار محايد » في اليوم التالي. بل سبق لممثلها في الأمم المتحدة أن قالها بصراحة نادرة: «نادونا بما شئتم، المهم أننا لنا مصالح».
كلام ينم عن واقعية نادرة من نظام سيكون أكثر فائدة لو سار بهذا المنطق إلى نهايته: الاعتراف بأن الحل السياسي الأكثر واقعية بالنسبة للمجتمع الدولي يظل هو مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب. حل قد يضع حدا نهائيا لهذا النزاع الإقليمي الذي يستنزف خزينة الجزائر ويُنهك دبلوماسيتها المتصدعة أصلا.




