إن هذه الروح تجسد الدينامية المتجددة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية حيث شكل ذلك صدمة في محيط أعداء الوحدة الترابية للمملكة، خصوصا بعد تجديد المجتمع الدولي دعمه الكامل لمغربية الصحراء ولمخطط الحكم الذاتي باعتباره حلا واقعيا ونهائيا لهذا النزاع، خلال التصويت على القرار الأممي 2703، والذي عبر عن الموقف الدولي المنسجم لدعم حل سياسي واقعي عملي براغماتي ومتوافق بشأنه، وفتح بالتالي نافذة جديدة من أجل التقدم في العملية السياسية عبر تأكيد الدعم للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا والحاجة للبناء على زخم الموائد المستديرة السابقة في سنتي 2018 و2019 فضلا عن إيلاء الاهتمام للعملية السياسية كخيار لا رجعة فيه.
وبالرغم من مرور 48 سنة على المسيرة الخضراء، فإن التفكير في معانيها العميقة وروحها المتجددة لا يزال متواصلا، لأن المسيرة الخضراء استلهمت تفردها وطابعها الخلاق من كونها مسيرة ملك وشعب.
إن ملحمة المسيرة الخضراء جسدت معاني التضحية ووحدة الجبهة الوطنية، التي تطبعها الاستمرارية من جيل إلى جيل على مختلف المستويات، كما أن المملكة المغربية مستمرة بأمجادها ومتمسكة بحقوقها السيادية.
إن مضمون قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عدد 2703 المتعلق بقضية الصحراء المغربية، والذي يمدد ولاية بعثة المينورسو لمدة سنة إلى غاية متم أكتوبر 2024، يعكس رأيا واضحا لدى المجتمع الدولي بشأن الوضع الراهن للعملية السياسية ويحث الجزائر على الاستجابة الصادقة والامتثال بأمانة للإرادة الدولية وبالتالي فالجزائر مطالبة بقراءة صحيحة للقرار الأممي والابتعاد عن ردود الفعل الجوفاء والتصرفات العمياء باعتبارها الطرف الرئيسي في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
إن القرار الأممي المذكور يوسع التراكمات الإيجابية لصالح ملف الصحراء المغربية ويحافظ على مقتضيات وأحكام حاسمة تنسجم مع ثوابت الموقف السيادي المعبر عنها في خطب جلالة الملك محمد السادس.ويمثل هذا القرار في العديد من محاوره تعبيرا اخر عن نجاح المغرب في إقناع أطراف دولية بموقفه السيادي في إطار مبادئ السيادة و الوحدة الترابية.
إن المغرب، ومنذ استكمال وحدته الترابية، باسترجاع الصحراء في 1975، اتخذ خيارا لا رجعة فيه لتثمين هذا المكتسب من خلال بذل جهود كبيرة وإحداث فرص جديدة لتنمية هذه الأقاليم.
وفي هذا الإطار، فقد تعزز المسلسل الذي انطلق منذ العام 1975 من خلال برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية الذي أطلقه جلالة الملك في 2015، والذي عمل على تعبئة كافة الطاقات من أجل تحفيز عملية التنمية في المناطق الجنوبية للمملكة، بهدف ضمان كرامة مواطني الصحراء المغربية.
وتماشيا مع أولويات هذا النموذج، فإن المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والطاقية وتلك المتعلقة بالبنيات التحتية عجلت بتحويل الصحراء إلى قطب اقتصادي مزدهر تستفيد منه الساكنة المحلية، وبوابة واعدة للاستثمارات في إفريقيا.
إن خيار المغرب الذي لا رجعة فيه هو جعل المنطقة قطبا اقتصاديا ووضع ساكنة الصحراء في قلب كل السياسات، يجسد ذلك إرادة الدولة، ملكا وحكومة وشعبا، من أجل مواصلة مسار التنمية والازدهار في الأقاليم الجنوبية والمنطقة بأكملها.
إن الزخم التنموي الذي تشهده الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال التخطيط الاستراتيجي للدولة المغربية لتنمية هذه الأقاليم، والذي يقوم على أساس تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية، مثل ميناء الداخلة الأطلسي الذي يكتسي أهمية استراتيجية بالنسبة لإفريقيا الغربية والأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، خاصة جهة الداخلة-وادي الذهب، حيث سيتيح، من جهة، دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والصناعية للجهة في جميع القطاعات الإنتاجية (الصيد البحري، الزراعة، التعدين، الطاقة، السياحة، التجارة، الصناعات التحويلية، إلخ).
ويراهن المغرب من خلال هذا الميناء الجديد على جعل الواجهة الأطلسية بجنوب المملكة واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي والإشعاعين القاري والدولي، إلى جانب ميناء طنجة المتوسط، والمشاريع التنموية الاستراتيجية والمهيكلة التي تم إطلاقها في الأقاليم الجنوبية، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي من شأنها أن تجعل من جل الحواضر بالصحراء المغربية منطقة جذب ونماء واستثمار تكريسا للطموح المغربي من أجل تطوير اقتصاد أقاليمه الجنوبية، حيث سطرت الدولة برنامجا تنمويا مندمجا بالصحراء المغربية بقيمة مالية تفوق77 مليار درهم من أجل خلق فرص الشغل والاسثتمار وتمكين المنطقة من البنيات التحتية والمرافق الضرورية عن طريق دعم المشاريع الكبرى مثل مدينة المهن والكفاءات بمدينة العيون والمركز الاستشفائي الجامعي بالعيون ومشروع الطريق السريع الرابط بين تيزنيت والداخلة، والعديد من المشاريع الكبرى. إن جلالة الملك يؤكد دائما في توجيهاته السامية أن تشكل الصحراء المغربية صلة وصل مع العمق الإفريقي ترسيخا لدور المغرب التاريخي.
ونظرا لطبيعة العلاقة ما بين المغرب والدول الإفريقية، وفي هذا الإطار، نستحضر مشروع خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي، الذي خرج إلى النور بفضل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس النيجيري محمد بخاري، حيث سيغير وجه إفريقيا ويشكل رافعة قوية للتنمية والتكامل الإقليميين، لأن هذا المشروع التكاملي الاستراتيجي، يهدف إلى تثمين وتعزيز الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بمختلف البلدان التي سيعبرها، ولا سيما من خلال تسريع وتيرة التغطية بالكهرباء ودعم التنمية المحلية، وتعزيز الاقتصاد الإقليمي والتكامل الاقتصادي.
وبخصوص التقدم الإيجابي لقضية الوحدة الترابية منذ اقتراح مخطط الحكم الذاتي من قبل المغرب سنة 2007، فالإشادات الدولية المتتالية لمبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها حلا جديا وذا مصداقية، مؤشر غيجابي على انفراج الملف في اتجاه حل واقعي موضوعي، إذ تؤكد جميع المؤشرات السياسية والدبلوماسية على أن الحل المغربي ماض في حصد تأييد عدد كبير من دول العالم في القارات الخمس، لأن المجتمع الدولي بات مقتنعا بأن حل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية لا يمكن إلا أن يأخد بعين الاعتبار مشروعية المغرب التاريخية والقانونية.
لقد تمكنت المملكة اليوم من تحقيق مكاسب دبلوماسية غير مسبوقة تعكس فعالية الدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس رائد دبلوماسية المبادرات والعمل النابع من الالتزام بالوعود والاتفاقات. كما أن الصحراء المغربية أضحت، على المستوى التنموي، بيئة حاضنة وجاذبة للاستثمار والفرص بفضل النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية.
إن العديد من الدول اليوم ترى أن مصلحتها مع المغرب باعتباره حليفا يتمتع بمصداقية كبيرة بعد تسجيل مواقف جوهرية وتاريخية لمصلحة الحكم الذاتي وسيادة المغرب على صحرائه من طرف دول وازنة إقليميا ودوليا، حيث إن هذا المعطى أضحى يزعج خصوم الوحدة الترابية ويربك تحركاتهم ويضعهم في عزلة على الصعيد الدولي.
واليوم، قُبيل احتفالنا بالذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء وبروحها الخالدة، نؤكد أننا مازلنا على الوفاء لقسم المسيرة الخضراء الموشوم في أرواحنا ودمائنا، وأننا على العهد باقون، وتلك هي روح المسيرة الخضراء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.