ويدعو أيضا إلى التساؤل حول من يتحمل المسؤولية، هل الأحزاب السياسية، لا يتعامل عدد منها مع موضوع الترشح باسم الحزب بالحزم المطلوب، ما يفجر أزمات بسبب التزكيات وهذا يتكرر كلما كانت البلاد على موعد مع الانتخابات؟ أم المواطن الذي لا يتعامل مع مسألة اختيار من يحمل صوته بالجدية اللازمة.
وطرح موقع Le360 السؤال حول مدى مسؤولية الأحزاب على رشيد لبكر، أستاذ بكلية الحقوق التابعة لجامعة شعيب الدكالي، فقال: «إن السؤال مهم، وقد يظن البعض أنه سؤال المرحلة، بالنظر إلى المتابعات التي تطال اليوم بعض القيادات الحزبية بتهم الفساد، لكن، ومن وجهة نظر سياسية، أنا لا انظر إلى الموضوع من هذه الزاوية، بل أعتبر أن هذه المتابعات هي تحصيل حاصل ونتيجة مباشرة لظاهرة إقدام بعض الأحزاب على فتح أبوابها لمن يدفع أكثر، وليس لمن هدفه الدفاع المصلحة العامة، ولمن عشقه هو النضال وتمثيل إرادة المواطنين، فما نراه اليوم هو حصاد لما تم زرعه بالأمس، فهل يمكن الادعاء بأن المتابعات تهم أصحابها فقط، على اعتبار أن الجرائم شخصية، أم أن مسؤولية الاحزاب ثابتة والسؤال حول هذا الموضوع لابد من طرحه؟!».
ومضى الأستاذ رشيد لبكر يقول: «أنا شخصيا مع الطرح الثاني، على اعتبار أن الأمر يتعلق بأحزاب من المفروض أن لها مبادئ ومرجعيات واهداف، واعتبار امام المواطنين، وبالتالي فهي مسؤولة عن التصرفات غير القانونية التي تصدر ممن منحتهم ثقتها ونصبتهم في المراتب المتقدمة من المسؤولية.
إن مسؤوليتها ثابتة بغض النظر هل كانت على علم بهذه التصرفات أم لا، لأن المبدأ يقتضي، حسب علمي المتواضع، أن الأحزاب مطالبة أخلاقيا بعدم منح المراتب المتقدمة في مؤسساتها، إلا لمن تدرجوا عبر جميع هياكلها، وتربوا وناضلوا وضحوا من أجل الحزب حتى تلبسوا به وتشربوا مرجعياته وصار جزءا من ذواتهم وأثبتوا إخلاصهم له وكفاءتهم الفكرية والعملية فيه، بل أكاد أقول من الذين أصبحوا يدافعون عن سمعة الحزب الذين ينتمون إليه تماما مثلما يدافعون عن سمعتهم، هذا هو المبدأ. لذلك فقلما تجد مناضلين من هذا النوع ملاحقين بمثل هذه التهم، إذن فمسؤولية الحزب هنا قائمة، مادام من النوع الذي يفتح ذراعه لكل شاردة، وقد رأينا كيف أسقط عدد من هؤلاء على هذه الطينة من الأحزاب ومنحتهم التزكية لتمثيلها في الانتخابات، بل منهم من صعد إلى أعلى مراتب المسؤولية دون أن يكون ابنا شرعيا لها ولا هو جدير بتمثيلها حقا... وبالتالي فلا يمكنها حاليا أن تتنصل من مسؤوليتها المعنوية والادبية إزاء هذه المتابعات».
وعبر لبكر عن أمله أن تكون الأحداث الأخيرة عبرة لكل الأحزاب «كي تعيد النظر في آليات اشتغالها وفي كيفية تصريف التزاماتها السياسية والمجتمعية إزاء الوطن والمواطنين، وألا يكون هدفها فقط هو الحصول على المقاعد، بل الهدف الحقيقي هو الوصول الى قلوب الجماهير، إذ لا يمكن في العمل السياسي النبيل، الاتكاء على منطق الغاية تبرر الوسيلة، سيما أن التاريخ يسجل العديد من الحالات التي كان فيها حبل الكذب على الناس قصير جدا، ولعل من نتائج هذه الظاهرة التي استفحلت مع كامل الاسف، هو العزوف عن الفعل السياسي بشكل عام وعلى المشاركة في الانتخابات بشكل خاص، لذلك قلت في بداية الجواب، أن ما نعيشه اليوم هو تحصيل حاصل ومخرجات طبيعية لعمل حزبي غير سوي.
انا شخصيا أؤمن بجدوى الأحزاب ولا أتصور وجود ديمقراطية حقيقية بدونها، لكن السؤال هو: أي من الأحزاب التي يمكن المراهنة عليها، هل الأحزاب التي تتنافس لخدمة الشعب أم التي تتسابق للاستحواذ على المقاعد، أعتقد أن الاختيار بين واحد من هذين الجوابين، هو الذي يحدد مدى المسافة التي ستفصلنا عن السياسة بمفهومها الحقيقي: السياسة الراعية وليست السياسة الاسترزاقية».
وجوابا عن سؤالنا حول ما مدى مسؤولية المواطن قال: «طبعا أنا لا أنفي مسؤولية المواطن إذا لم يستحضر مسؤولية التصويت، وهو في صندوق الاقتراع، إذ هو من سيتحمل نتيجة اختياره في آخر المطاف، لكن مع ذلك، لدي بعض التحفظ، فأنا أحمل المواطن هذه المسؤولية إذا كنا نعيش في مجتمع مستوعب لأهمية العمل السياسي ومدرك لقدسية الانتخاب ولجسامة مسؤولية التمثيل كما هو معروف في الديمقراطيات الراقية، حيث تناهز نسبة المشاركة في الانتخابات الثمانين بل التسعين في المائة، هنا تكون لمسؤولية المواطن منطق يحكمها، لكن في المقابل، إذا كانت نسبة المشاركة في مجتمعات أخرى لا تصل إلى نصف عدد الذين يحق عليهم التصويت إلا بمشقة الأنفس وبطرق يختلط فيها القانوني بغير القانوني، هنا يصبح طرح سؤال مسؤولية المواطن غير ذي معنى، لأن المواطن في الأصل غائب او مقاطع او مخاصم للعمل السياسي، فإن كان غائبا عن قناعة، فذاك موقف يحمل رسالة، وهو إيجابي على أي حال، لكن ليس هناك إلا نسبة قليلة جدا هي من تمثل هذا الموقف».
وأضاف أن «الفئة الثانية مقاطعة ولا تدري حتى لماذا هي مقاطعة، فالسياسة في ذهنها قضية غائبة تماما عن اهتمامها، وتلك هي الطامة، وحتى الأحزاب لا يهمها كثيرا الوقوف عند هذه المشكلة، على اعتبار أنها تراهن فقط على الكتلة التي تشارك في الانتخابات وتضمن بها وجودها وبقاءها، ونجد هذه الكتلة، في غالبيتها، مستعدة لبيع مواقفها، عن وعي أو عن غير وعي لأسباب يطول شرحها، لكنها في الغالب مرتبطة بمشاكل الجهل والفقر».
وبخصوص الفئة الثالثة يقول: «هي من المنتمين حزبيا ومشاركتها مرتبطة بهذا الالتزام بغض النظر عن مراميه وأهدافه، وأخيرا هناك الفئة القليلة التي مازال الأمل يحذوها في التغيير، وبالتالي فوفاء لقناعتها بواجب المشاركة، تشارك ولو كانت انتظاراتها من العملية السياسية ضئيلة أو غير ذات أهمية بالنسبة إليها».
وخلص بخصوص هذا الأمر إلى القول: «يمكنني القول في آخر المطاف، إن هذه المواقف المتناقضة هي حصيلة تنشئة سياسية ضعيفة وغير قادرة على صناعة ثقافة سياسية متطورة يمكنها أن تدخلنا إلى عهد التنمية السياسية المتطورة حيث الجميع يكون مقتنعا بأهمية الفعل السياسي وراهنيته بغض النظر عن الموقع الذي يتجسد فيه هذا الفعل».