بورتري. امحمد كريمين: من القمة إلى عكاشة.. سقوط «إمبراطور بوزنيقة»

صورة مركبة لامحمد كريمين وعزيز البدراوي

في 01/03/2024 على الساعة 07:00, تحديث بتاريخ 01/03/2024 على الساعة 07:00

بورتريما هو الوصف الذي يمكن أن نصفه به بالضبط؟ هل هو سياسي؟ أو منتخب محلي؟ أو برلماني؟ أو رجل أعمال ثري؟ أو مربي خيول سباق؟ أو رئيس جمعية مهنية للحوم الحمراء؟ امحمد كريمين هو كل هذا في الوقت نفسه، بل وأكثر من ذلك.


منذ عام 1997، « حكم » امحمد كريمين مدينة بوزنيقة بلا منافس، وهي مدينة استراتيجية تقع بين الدار البيضاء والرباط. لاعب كرة سلة سابق (كان ضمن المنتخب الوطني للناشئين)، تمكن منذ فترة طويلة من الإفلات من يد العدالة في قضايا متعددة ذكر فيها اسمه، إلى أن أطلق القضاء الإداري صافرة النهاية، في ماي 2023، معلنا إقالته من منصب رئيس المجلس الجماعي لبوزنيقة. وهو الحكم الذي دفعه، في دجنبر من العام نفسه، إلى الاستقالة من البرلمان، تحسبا للبطاقة الحمراء الثانية التي قد تأتيه هذه المرة من المحكمة الدستورية. كانت هذه هي بداية سقوط امحمد كريمين، « الوحش » السياسي الحقيقي الذي حقق كل شيء، والذي قد يخسر اليوم كل شيء. وعلى رأسها حريته.

صيدلي بدون صيدلية

تنحدر عائلة كريمين من اثنين اشتوكة، وهي جماعة قروية صغيرة بالقرب من الجديدة معروفة بخصوبة تربتها. والده أحمد من الملاك الكبار وكان مزارعا ومربي مواشي، ولديه أيضا شغف بالخيول.

ولد امحمد بالرباط سنة 1958. تلقى تعليما رفيع المستوى بإعدادية الليمون ثم بثانوية ديكارت. وبعد حصوله على البكالوريا، سافر إلى بروكسل، ثم إلى باريس، من أجل دراسة الصيدلة. من الواضح أن الشاب كان يستمتع بالاغتراب، وهكذا أخذ وقته الكافي للحصول على شهادته، التي نالها في سن الثلاثين.

لا يهم ذلك، لأنه لن يكن مفيدا له. فعندما عاد إلى المغرب، رفض فكرة فتح صيدلية أو بيع أقراص مضادة لصداع الرأس. خاصة وأن الأب قد توفي وتحتاج العائلة إلى قائد جديد. ويتمتع امحمد بكل المقومات اللازمة ليكون خلفا لوالده.

كريمين الابن أنجز مهمته بشكل رائع. فهو لم يحافظ على الأعمال التقليدية، مثل الفلاحة وتربية المواشي، بل وانطلق في مجال الإنعاش العقاري بين الجديدة وبوزنيقة. وحقق نجاحا حقيقيا.

باستثناء شيء واحد هو أن امحمد، المنغمس في تطوير أملاك العائلة، لا يملك الوقت ولا الطاقة للانخراط في تربية الخيول، وهو شغف ورثه عن والده، الذي كان رئيسا لشركة السباقات بالدار البيضاء.

سيتم تأجيل ذلك فحسب. فبعد سنوات قليلة، تمكن من الانضمام إلى الدائرة المغلقة لمهنيي هذا القطاع، فصنع لنفسه مكانا إلى جانب عائلات السدراتي والديساوي وحكم.

أنفق امحمد كريمين بلا حساب للحصول على أفضل السلالات واستعان بخدمات أفضل المدربين والفرسان الفرنسيين أو الإسبان. وعلى وجه الخصوص، أصبح صديقا للمربي الفرنسي-السوري الشهير سعيد السوني، الذي كان يعمل بشكل حصري في إسطبلات العائلات المالكة في الخليج. وهكذا حقق النجاح وكسب الأرباح: نادرا ما تخرج إسطبلات كريمين خالية الوفاض من منافسة وطنية، بل إنها نجحت في فرض نفسها في الخارج. وبالتالي، حقق رجل الأعمال أخيرا حلمه: توفر اسطبله على مركز تدريب خاص به يقع بين تيفلت والخميسات.

رئيس أو لا شيء!

في عام 1997، قرر أن يجرب حظه في السياسة، كأي عين من أعيان البلاد. ترشح للانتخابات المحلية وفاز بسهولة بمقعده في جماعة بوزنيقة. لكن طموحه جعله يضع شروطا: إما أن يكون رئيسا أو لا شيء! وقد استجيب لطلبه، خاصة وأن الرجل كان يمتلك خاصية الإقناع.

يتمتع امحمد كريمين بشخصية كاريزمية، كان متعجرفا أحيانا، وحادا أحيانا أخرى، ويمنح نفسه دائما الوسائل اللازمة لتحقيق أهدافه. وسيذكر التاريخ أنه كان أحد هؤلاء السياسيين الذين « دعوا بقوة » المنتخبين المحليين إلى الإقامة في فندق بعيد عن دائرتهم الانتخابية، حتى يوم انتخاب الرئيس والمكتب الجماعي.

منطقيا، بعد وصوله إلى رئاسة جماعة بوزنيقة، دخل كريمين البرلمان. وهنا أيضا، نزل بكل ثقله حتى يحصل على رئاسة إحدى اللجان الدائمة في مجلس النواب، وستكون لجنة المالية المرغوبة فيها جدا.

في حزب الاستقلال، الذي انضم إليه، لم يكن يرفض أي طلب لهذا الحصان الفائز، الذي تحول إلى « صانع المنتخبين »، مشكلا بالتالي حزبا صغيرا داخل الحزب. وعندما تعارض هيئات حزب الميزان خياراته أو قراراته، يكفي أن يلوح بالتهديد بالاستقالة، وبالتالي الانتقال إلى حزب منافس، حتى « تعود الأمور إلى نصابها ».

وفي عام 2015، لم يغير الحزب، وإنما غير الغرفة داخل البرلمان، إذ انضم إلى مجلس المستشارين عن غرفة الفلاحة. لكنه سرعان ما سيعود إلى مجلس النواب في عام 2021. في غضون ذلك، أضاف منصبا إلى جملة مناصبه عندما أصبح، في عام 2017، رئيسا الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء، وهي جمعية مهنية قوية وغنية، ومحاور متميز للسلطات العمومية في قطاع حساس.

لكن طوال فترة ولايته البرلمانية، كان امحمد كريمين مصمما على الاحتفاظ بحبه السياسي الأول: رئاسة جماعة بوزنيقة. طول رئاسته لهذه الجماعة جعل الناس يلقبونه بـ »إمبراطور بوزنيقة ».

رجل فوق القانون؟

هل أخذ هذا المنتخب هذا اللقب على محمل الجد إلى درجة أنه جعل المدينة ملكية له تقريبا؟ كان امحمد كريمين يدير أحيانا شؤون جماعة بوزنيقة كما لو كانت ملكية خاصة، حيث يعتني بمصالحه الخاصة ومصالح مقربيه وأقربائه. وقال إطار بحزب الاستقلال: « عندما تكون صديقا لكريمين، يمكنك أن تفعل أي شيء في بوزنيقة علانية ».

كان يخول لنفسه اتخاذ كل القرارات وكل الاستثناءات حتى لو كانت مخالفة للقانون. ويؤكد أحد العارفين بخبايا الشؤون المحلية لبوزنيقة قائلا: « يمكنه أن يوزع، كهدايا، قطع أراضي فيلات تقع على المجال البحري العام لإرضاء المنتخبين أو رجال الأمن. ويمكنه حتى نقل مهندس متمرد إلى مصلحة الأحوال المدنية عقابا له أو انتقاما منه ».

وهكذا، أصبح امحمد كريمين أستاذا مختصا في الفن البغيض المتمثل في انتهاك قوانين التعمير. وأضاف محاورنا قائلا: « لقد كان يوقع على تراخيص البناء وتصاريح السكن كيفما اتفق، كما فرض عقوبات على المنعشين العقاريين الذين يرفضون الأداء ».

وبالنسبة لمعارضيه، فإنه خلال 25 عاما من « حكمه »، لم ينجح إلا في تحويل بوزنيقة إلى مدينة إسمنتية، خالية من المساحات الخضراء، وتتوفر على بنية تحتية سيئة للغاية.

وعندما أشار قضاة المجلس الأعلى للحسابات، في تقرير خاص بسنة 2016، إلى سوء تدبيره وبعض النفقات غير المبررة، جمع بعض وسائل الإعلام المحلية للتشكيك في عمل، وحتى في نزاهة، قضاة فريق إدريس جطو، الذي كان رئيسا للمجلس آنذاك. وكان يكرر دائما أن لا أحد يمكنه المساس به.

أوزون.. النقطة التي أفاضت الكأس

بيد أن تلاحق الأحداث ستثبت عكس ذلك. وكان أول شرخ يحدث في جدار كريمين هو منح صفقة جمع النفايات المنزلية في بوزنيقة، في عام 2011، إلى مجموعة أوزون التي أسسها عزيز البدراوي.

كان الرجلان، وهما صديقان أيضا (أو حتى زميلان، حسب بعض الشائعات)، قد رتبا لمراجعة تكاليف خدمات الشركة، وإلزام الجماعة بدفع مبلغ إضافي يتجاوز 20 مليون درهم لسنة 2011 وحدها. واعتبرت هذه المقاربة غريبة، إذ اتهمت مجموعة أوزون حينها بالفشل في القيام بالتزاماتها وعدم احترام دفتر التحملات التي تغطي الفترة 2011-2017.

بناء على شكوى قدمها عضو مجلس جماعية من الأغلبية (!) سنة 2022 لدى الوكيل العام للملك ورئاسة النيابة العامة، فتحت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحقيقا في هذه القضية، ولكن أيضا في قضايا أخرى، ولا سيما الاشتباه في الاستغلال غير القانوني للملك العام.

ورفض امحمد كريمين لفترة طويلة الاستجابة لاستدعاءات المحققين، وفي كل مرة كان يجد عذرا لعدم الحضور إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء.

وفي 5 فبراير 2024، جاءت عناصر من هذه الفرقة لإلقاء القبض عليه في عيادة بالرباط حيث يفترض أنه دخلها للاستشفاء. وتم تقديمه أمام الوكيل العام للملك في اليوم التالي، وتم وضعه رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي بعين السبع (عكاشة)، في انتظار نتيجة التحقيق والمتابعة القضائية.

تحرير من طرف محمد بودرهم
في 01/03/2024 على الساعة 07:00, تحديث بتاريخ 01/03/2024 على الساعة 07:00