ومن المواضيع التي جاء بها هذا الكتاب، نجد إطاراً نظرياً ومنهجياً، يحاول أنْ يظهر فكرة الكتابة والأساس المعرفي الذي تستند عليه، فجاءت المحاور دقيقة ومتنوعة مثل «اختمار فكرة وتتويج مشروع» و »في تقديم الإشكالية وعدة معالجتها » و »ولادة مبكرة وتشكل في الزمن الطويل » و »بصمة الإسلام وصدمة الحداثة » و »عصر الازدواجية أو مغرب الثنائيات » واستشراف أفق أو في معنى أن تكون مغربيا ». وهي موضوعات تحاول أنْ تقدم رؤية عن هذه الشخصية وكيف تشكّلت عبر الزمن وقدمت خليطاً حضارياً عجيباً يصعب القبض عن ملامحه في جغرافيات أخرى من العالم. ذلك أن الحضارات التي تعاقبت على حكم المغرب قديماً وحديثاً، ساهمت في تشكّل وعي الشخصية المغرب وذاكرتها.
يقول الطيب بياض في كتابه هذا إنّ « ذلك الإنسان الذي صانت بقاياه تربة جبل إيغود، كان البذرة الأولى، لهذا الكائن القاطن بشمال إفريقيا، ثم حصلت تحولات بطيئة في زمن شبه راكد حولته إلى فاعل أكثر في المجال، وتحوّل خلال العصر القديم إلى ذات ليست فقط فاعلة، بل ومتفاعلة أيضاً مع حضارات طارئة « كستها ثنايا متنوعة » منحتها أولى خصائص التميّز عن الجوار ».
ويضيف صاحب « اكتشاف الصين: رحلة أكاديمي مغربي إلى أرض التنين » بأنه « صحيح أنه لم يكن يعرف نفسه أنه مغربي أو يعرف نفسه بالمغربي، وأن بناءه الذهني كان خالياً من أي بحث عن انتماء أو هوية بمعانيها المعاصرة، بل حتى مورفولوجية جسده كانت مختلفة إلى حد ما عن المغربي الحالي، لكن بالقدر الذي كانت تركيبة دماغه تتحول تدريجياً عبر آلاف السنين لتستقر على ماهية عليه اليوم، كان بناؤه الذهني والنفسي يتشكل في تفاعل مثمر مع المحلي والطارئ معاً لنحت معالم شخصية إنسان مغرب اليوم ».