الحكومة تهاجم الحكومة (خاص عن فاتح ماي)

Le360

في 01/05/2013 على الساعة 14:08, تحديث بتاريخ 01/05/2013 على الساعة 19:00

كما كان منتظرا، مرت مسيرة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في ظروف عادية، أملتها الراهنية التي جعلت الحكومة يقودها حزب العدالة والتنمية المقرب من نقابة محمد يتيم، المسيرة عرفت ترديد شعارات من زمن المعارضة، إضافة إلى حضور بنكيران الذي جدد الوصال مع لغة "التماسيح".

الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، في شارع أبي شعيب الدكالي، تحت أشعة شمس لافحة بدأت الطبقة الشغيلة التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب تقوم بآخر الاستعدادات لتخليد فاتح ماي.بدأت المسيرة بحضور أولي خافت، وبعدد لا يتجاوز بالكاد ثلاثة ألاف شخص. أمام المسيرة، اصطفت العشرات من سيارات الأجرة وإلى جانبها سيارات "ديباناج"، وكأن سخرية القدر تشي أن الحكومة أصيبت بعطب استدعى تدخل سيارات "الديباناج". في الطابور الأول تواجد محمد يتيم الكاتب العام للذراع النقابي للعدالة والتنمية، إلى جانبه اصطف بعض برلمانيي الحزب يتقدمهم عبد الصمد حيكر، وعبد السلام بلاجي إلى جانب وجوه نقابية ملتحية.

ولأن مسيرة هذا العام، تتسم بوجود العدالة والتنمية في الحكومة، لم يكن الحضور الأمني مكثفا، لكن هذا لم يمنع من عناصر أمنية بزي مدني، تسترق المسامع، وتفتحص الشعارات، وتقوم برقابة قبلية لما ستصدح به حناجر الشغيلة، إلا أنه لم تكد المسيرة تنطلق حتى بدأت مسيرة مضادة من بضع عشرات من الطلبة، غير أن تدخلا أمنيا واحدا كان كافيا لتفتيت هذه المسيرة المضادة.

بشعارات كلاسيكية، أعطيت انطلاقة المسيرة، ولا أثر لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الذي أكد حضوره للمسيرة. رغم الطابع العمالي للمسيرة، إلا أن هذا لم يمنع من تسييسها، لتتحول إلى منبر لنصرة القضايا الفلسطينية والسورية، مع ملاحظة ترديد نفس الشعارات التي مكنت العدالة والتنمية من الوصول إلى الحكومة، فرددت مجددا " الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد" و" هذا المغرب وحنا ناسو والشفار يفهم راسو".

هذا الحنين إلى شعارات الحملة الانتخابية جعل من المسيرة إعادة إنتاج للتجمعات السابقة للعدالة والتنمية، ودون أن يتم تدارك الأمر، انخرط الجميع في شعارات تترك الانطباع أن العدالة والتنمية لا زال في المعارضة، فرفعت شعارات من قبيل "نحن هم البديل الإصلاح هو السبيل".

وصول بنكيران

وفي حدود الساعة الحادية عشرة والنصف، جاءت سيارة سوداء تقل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، فتعالت صيحات الترحيب، وتحول فتور المسيرة إلى حماس منقطع النظير: مصورون يتهافتون على أخذ صور رئيس الحكومة، ومنتمون للعدالة والتنمية يصيحون "بنكيران رتاح رتاح سنواصل الكفاح"، فيما رئيس الحكومة يبدو وقد استحسن شعارات المشجعين له.

يتيم النقابي

بمجرد ما صعد محمد يتيم الكاتب العام للإتحاد الوطني للشغل بالمغرب، حتى أخذ الكل مكانه في المنصة، وبدأ يتيم كلمته بللتنديد "بالانتهاكات المتواصلة للحقوق والحريات النقابية خاصة في القطاع الخاص" داعيا الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها في إلزام المقاولات المعنية بالالتزامات الاجتماعية القانونية، مع توجيه تحية خاصة للمقاولات المواطنة الوفية بالتزاماتها الاجتماعية التي تخوض منافسة غير مشروعة مع مقاولات تشتغل في الاقتصاد غير المهيكل أو لا تحترم مسؤوليتها الاجتماعية".

وعن موضوع الحوار الاجتماعي الذي قاطعته المركزيات النقابية، لعب يتيم دور المحامي على الحوار، ليؤكد مضامين 26 أبريل، مقللا من خطوة بعض المركزيات النقابية الرامية إلى التبخيس من الحوار الاجتماعي.

رسائل مشفرة

وبلغة الهمز سار يتيم على نهج خطاب بنكيران، فتحدث عن المشوشين على الإصلاح، موضحا أن هذه الجهات سعت إلى "افتعال مواجهة بين الحكومة ورجال الأعمال، من خلال ترويع الرأي العام بالادعاء بأن المغرب مقبل على كارثة اقتصادية وأمنية، من خلال حملات إعلامية منظمة، ومن خلال تسخير مسؤولين إداريين مسنودين، ومن خلال السعي المتواصل للإيقاع بين مكونات الأغلبية الحكومية ". وفي نهاية كلمته، عبر يتيم عن استعداد نقابته للخروج ضد الحكومة في حالة أخلت بوعودها تجاه الشغيلة المغربية.

بنكيران عاشق الخطابة

لم يكن حضور بنكيران إلى جانب ظله عبد الله باها وزير الدولة إلى احتفالات عيد الشغل محض صدفة، فالاتحاد الوطني للشغل في المغرب يعي تماما شعبية رئيس الحكومة، وهو ما جعلهم يبرمجون كلمته في الاختتام، فللرجل قدرة كبيرة على حشد الناس والصبر تحت اشعة الشمس في انتظار كلمته.بمجرد ما أخذ الكلمة، صمت الجميع كأنهم لا يودون تضييع كلمة مما سيقوله، وكعادته بدا رئيس الحكومة مرتاحا، في ممارسة هوايته المفضلة: الخطابة أمام الجماهير، فتخلص من الورقة وارتجل كلمة تحدث فيها عن كل شيء. بدأ بمخاطبة الحضور بأبنائي وبناتي، لينتقل إلى تشريح سريع للوضع الاجتماعي المغربي، فتحدث عن الإكراهات التي يعيشها المغرب بدءا من الأزمة الاقتصادية، وانتهاء بإصلاح صندوق المقاصة وأنظمة التقاعد.

ولم ينس كعادته، التذكير بالوضعية التي ورث فيها الحكومة، ليتحدث عن المديونية التي تركتها حكومة عباس الفاسي والتي تتجاوز 600 مليار درهم، وعن أسباب سحب 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمارات العمومية، ليبرر ذلك بكونه لا يريد أن "يغرق سفينة المغرب أكثر ما هي غارقة". مذكرا أنه إذا لم يسحب تلك الميزانية لوصل المغرب لمرحلة خفض الأجور للموظفين، " كما وصلت إليه بعض الدول ولم يصل له المغرب بعد" هذا الجزء الأخير من جملة بنكيران كان كافيا لتصاعد بعض الاحتجاجات "بمعنى أن المغرب سيصل حتما ليوم تخفض فيه أجور الموظفين"، بيد أن بنكيران تدارك الأمر بسرعة بديهته.واستمر بنكيران في عرضه لما أسماه بفضائل حكومته على الشعب المغربي وأجملها في "زيادة منحة الطلبة، والتعويضات عن التقاعد للمسنين والأرامل".

نيران صديقة

وعلى بعد 90 كيلومتر من منصة الخطابة، كان شباط في اللحظة نفسها يجمع بضعة ألاف من الشغيلة التابعة لنقابته، ولأن الخصمان الحليفان يحسنان استغلال التجمعات الخطابية، فقد بادر بنكيران بإرسال رسائل بالواضح إلى زميله في الحكومية :" لم نشأ أن نستغل سماسرة المسيرات والنقابات لحشد مئات الألاف هنا، لكن فضلنا أن نقوم باحتفال رمزي بين إخواننا". وعلى إيقاع كلمات بنكيران الرامية في الثقة في العدالة والتنمية، اختتمت المسيرة، بشعارات تدعو لبنكيران للتغلب على أعداء النجاح.

رصاصات شباط

في الرباط، وبالضبط في منصة شارع النصر، لم يكن حميد شباط ليجد فرصة أفضل من فاتح ماي لتمرير رسائله السياسية الحبلى بالانتقادات للحكومة.في كلمته، ركز على العدالة والتنمية دون باقي مكونات الأغلبية الحكومية، ووصفهم بمستغلي الدين لأغراض سياسوية، مذكرا أن حزب الاستقلال بدوره ذو هوية إسلامية.شباط الذي وجه الدعوة لبعض فرقاء المعارضة كالإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، استغل وجودهم لينظم لهم بعضا من"الغزل"، ويدعو الجميع لرفع شعارات تمجد الكتلة التاريخية، التي كانت توحدهم مع الاتحاد الاشتراكي.نقد شباط شمل أساسا طريقة التدبير الحكومي، متهما قيادة الحكومة بالسير بالمغاربة نحو الهاوية، وكعادته لم يدع الفرصة تمر دون الترويج لمقترحه الأبدي القاضي بالمطالبة بالتعديل الحكومي كحل أول وأخير.ورغم أن شباط لم يف بوعده المتعلق بحشد مائة ألف شخص، إلا أنه عاد لمعطفه القديم، أي ذاك النقابي الذي يستغل منبر عيد الشغل من أجل تحريك الطبقة الشغيلة. وبين ثنايا خطابه تقرأ رسائل بالواضح مفادها، أن لغة المجاملات مع بنكيران انتهت، وحان وقت المواجهة المباشرة.

في 01/05/2013 على الساعة 14:08, تحديث بتاريخ 01/05/2013 على الساعة 19:00