حاول حسن أوريد، مؤرخ المملكة والناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقا، في مقال مميز بجريدة المساء يوم غد (الأربعاء)، قراءة المواجهة بين سلفيين وأحمد عصيد، بعيدا عن أي تشنج وبحياد تام. فهل توفق أوريد في وصفته لوقع معارك التكفير ؟ يرى أوريد "أن النقاش حول أحمد عصيد له أبعادا خطيرة من شأنها أن تؤدي إلى توزع مجتمعنا وتهلهل سداه، وتصرفنا عن القضايا الأهم في ظرفية دقيقة من تاريخنا، فلم تعد القضية رأيا أو آراء تعالج بالحكمة والموعظة الحسنة، بل دخلنا دوامة عنف لفظي وتحريض على القتل، ودعوات للاستتابة قد تفضي بنا إلى ما لا تحمد عقباه”. فهل وصلت الخطورة الاتهامات إلى هذا الحد ؟
حسب أوريد ف"إن المجتمعات الحديثة تقوم على حرية الرأي وحرية الفكر، وليس من الضروري أن تطابق آراء أشخاص أو جماعات معينة الاتجاه العام، كما أن كل مجتمع يقوم على نظام عام ولا يسوغ لأحد باسم الحرية الفردية أن يهزأ بالنظام العام"، فأوريد يحمل الطرفان معا مسؤولية أي انحراف في المجتمع، لكنه لا يكتفي بفحص المرض، بل يصف الدواء للخروج من "الأزمة"، ف"نهاية القضية لن تتم إلا ب"تقديم اعتذار عصيد عن سوء التأويل الذي أفضت إليه. إذا اعتبرت أطياف أن ذلك حدث، وليس في ذلك ما يزري بصاحبه أو يلثم رؤاه وتوجهاته أو يعيد النظر في مرجعيته الفكرية"، مشيرا إلى "أن اللجوء إلى القضاء لن يحل المسألة، فمن شأن التقاضي أن يبقي التوتر ويؤجج الخلاف"، بالمقابل، حسب أوريد، إن ساور البعض من "تحريض ضمني على القتل، ودعوة للاستتابة، فمن شأنه أن يدخلنا دوامة لا ندري مآتيها ولا مراميها”.
مصلحة المجتمع فوق الجميع
ووضع أوريد مصلحة المجتمع فوق الجميع فالخطأ في "التعبير والغلو في الرأي لايقوم حجة إهدار دم صاحبه أو تأليب الجماهير عليه. وأحذر ذوي العقول النيرة والألباب المستنيرة وصانعي الرأي العام وأصحاب القرار من أن أي جنوح للعنف سيدخلنا في دوامة لا تبقي ولا تذر وعبقرية بلادنا أسمى من أن تنجر للزيغ والإسلام أرحب من زلة وإن عظمت”. جريدة الأحداث المغربية من جهتها أشارت إلى وجه آخر للتكفير، فتساءلت قائلة: "هل يستغل المتطرفون حكم المحكمة ببراءة النهاري (من تهمة التحريض على قتل الصحافي مختار لغزيوي)، لإصدار المزيد من فتاوى القتل والتكفير"، وأوضحت أن "حكم ببراءة النهاري جاء في سياق يتسم بحدة تنامي الفتاوى المتطرفة الداعية إلى التكفير والقتل ورجم الناس بتهمة جاهزة صيغتها الإلحاد ومضمونها يحرض على المساس بحياة الأفراد، ونشر الحقد، بعيدا عن تعاليم الدين الإسلامي الحقيقي".
لا يبدو أن هذه التخوفات تجد صدى لها في الجهة المقابلة، فجريدة أخبار اليوم نقلت خبرا عن الأجواء التي تلت الحكم على النهاري بالبراءة، إذ تعالت أصوات أنصار الشيخ النهاري وسط المحكمة، وهم يسمعون القاضي يتلو حكم البراءة من تهمة التحريض على القتل، ثم نقلت تصريحا لعبد العزيز أفتاتي برلماني حزب العدالة والتنمية حين قال إن "إنصاف النهاري يجب أن يكون مسوغة لحل المشاكل المطروحة بالحوار، بل أكثر من ذلك دعا القناة الثانية إلى "الاعتذار " للنهاري وفتح المجال أمامه لإبداء التوضيحات اللازمة".