كان القصد من "المحادثة" أن تكون وسيلة لإثارة النقاش حول العلاقات بين فرنسا والجزائر، وكان من الطبيعي أن يتم التطرق إلى مسألة التوتر بين الجزائر والرباط.
في حديث مطول أجراه الكاتب الفرنسي من أصول جزائرية، كمال داوود، ونشر على أعمدة مجلة لوبوان الأسبوعية الصادرة مساء الأربعاء 11 يناير 2023، بدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما استبعد أن تؤدي الأزمة العميقة بين البلدين المغاربيين المهمين إلى نزاع مسلح.
عندما سئل عما إذا كانت الحرب ممكنة في المنطقة المغاربية، وعلى ضوء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، فإن ما لا يمكن تصوره ممكن أن يقع، بدا الرئيس الفرنسي واثقا من نفسه. وصرح ماكرون قائلا: "السؤال مهم. لا أريد أن أصدق ذلك أو أن أتصوره. لأن الجزائر والمغرب قوى عقلانية. أما ما يقع في أوكرانيا، فهو نتيجة لعملية سياسية لها جذور، والذي يقوم أيضا على استياء قوي للروس. ولكنه أيضا عدم احترام وحدة أراضي شعب على تخوم أوروبا من قبل قوة إمبريالية"، مستبعدا أي تشابه بين الوضع في أوروبا الشرقية والوضع الجاري في المغرب الكبير.
"إرادة الحرب"
في الوقت الذي استبعد فيه احتمال نشوب حرب بين المغرب والجزائر، اعترف ماكرون بأن "التوتر بين البلدين موجود وحقيقي، وما ينذر بالخطر عندما يصبح التوتر يؤطر واقع الحياة الوطنية والسياسية في كلا الجانبين". وهكذا، دعا الرئيس الفرنسي إلى التهدئة، وهو أمر "مهم" بالنسبة للجزائر والمغرب و "لفرنسا"، محذرا من رغبة "البعض" في تصعيد الموقف والدفع باتجاه المواجهة المباشرة بين البلدين. وشدد قائلا: "لا أعتقد أن الحرب هي حقيقة ستحدث. من جانب آخر، أرى التكهنات لدى البعض، والخيال لدى البعض الآخر وحتى إرادة الحرب لدى البعض".
لكن كان ينبغي على الرئيس الفرنسي من يقصد بهؤلاء الذين يتكهنون ويتخيلون ويرغبون في الحرب. حتى الآن، ليس المغرب هو الذي أغلق حدوده وقطع علاقاته الدبلوماسية وقرر مضاعفة ميزانية الأسلحة بشكل مذهل لتصل إلى 23 مليار دولار في عام 2023. وليس المغرب هو الذي يؤوي ويمول ويسلح حركة انفصالية يمكن أن تتحول إلى تهديد في منطقة من الساحل حيث تسيطر داعش.
وليس المغرب هو من "يتخيل" و"يتكهن" منذ أن أعادت الرباط العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب. ليس في المغرب مجلة الجيش، الناطقة باسم الجيش الجزائري، التي روجت منذ عدة أشهر خطابا عدائيا استفزازيا، استعدادًا لشن حرب على المملكة. كان يتعين على الرئيس الفرنسي أن يحدد بالإسم من يسعى ويرغب في الحرب. ولكن الرغبة في عدم إزعاج النظام الجزائري كانت أقوى بشكل واضح. غير أن محتوى الحوار لن يرضي الطغمة العسكرية في الجزائر.
وفيما يتعلق بالموضوع المركزي للحوار، الجزائر، رغم محاولاته إمساك العصى من الوسط، كان إيمانويل ماكرون على الأقل صارما حين قال: إنه لن يطلب "العفو" عن الفظائع التي ارتكبتها فرنسا أثناء استعمار الجزائر.
"لن أطلب العفو من الجزائر"
وحسم الرئيس الفرنسي قائلا: "لن أطلب العفو، ليس هذا هو الموضوع، الكلمة تقطع كل الروابط. لن أطلب العفو من الجزائر". وأوضح: "العفو الجماعي الوحيد الذي طلبته هو من الحركيين. لأن الجمهورية أعطت وعدا ولكنها خانته عدة مرات. وعد بحمايتهم واستقبالهم".
طوال مقابلته مع الكاتب كمال داوود، أبان إيمانويل ماكرون عن مقدراته التحليلية وثقافته إذ كان يقتبس من بول ريكور وألبير كامو، لكن نظام الجزائر لن يتذكر إلا رفض طلب العفو من الجزائر وطلب العفو الذي قدم للحركيين. من المؤكد أن الرفض الأول وطلب العفو المقدم للطرف الآخر سيثير سخطا قد يزيد من حدة التوتر بالفعل بين البلدين، بعد تعيين نائب عضو حزب التجمع الوطني نائبا لرئيس مجموعة الصداقة الجزائرية-الفرنسية في الجمعية الوطنية الفرنسية والمقال الذي نشره السفير الفرنسي السابق بالجزائر كزافيي درينكور.
وأوضح ماكرون أن "الأسوأ هو الاستنتاج: "نحن نعتذر والجميع يسلك طريقه. هنا، الإجابة الخاطئة خطيرة للغاية مثل الإنكار. لأنه في هذه الحالة ليس اعترافا حقيقيا. هذا هو وصل صافي الحساب. عمل الذاكرة والتاريخ ليس وصل صافي الحساب. على العكس من ذلك، فإن التأكيد على وجود شيء غير مؤهل، وغير مفهوم ولا يمكن أن يقال، وشيء لا يغتفر.
لا تسليم للمعارضين
"تطبيع" العلاقات بين فرنسا والجزائر سيتم بدون تقديم طلب العفو من النظام الجزائري، الذي جعل من ريع الذاكرة مصدره الأساسي لـ"الشرعية"، نقطة محورية في سياسته تجاه القوة الاستعمارية السابقة. كما سيتم الاستغناء عن فالمطلب الحالي الرئيسي للطغمة العسكرية: تسليم المعارضين الجزائريين الذين حصلوا أو طلبوا اللجوء في فرنسا.
في هذا الصدد، يسمح ماكرون لنفسه بإعطاء الدروس. وأوضح: "عبر تاريخنا، ومن خلال الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ودستورنا، واجب استقبال وحماية أولئك الذين يناضلون من أجل أفكارهم والذين قد يتعرضون للتهديد من أجلها في بلدهم. إنه حق اللجوء. هناك رجال ونساء استطاعوا الاستفادة من اللجوء في فرنسا، جاؤوا من الجزائر ويمكن أن يتعرضوا للتهديد بسبب نضالهم السياسي".
وفضلا عن ذلك، فإن ساكن قصر الإليزيه يعترف "بعدم كفاءته" في هذا الموضوع. بالنسبة له، "هذه قرارات لا تخضع لمراقبة القاضي. وهذه بالضبط هي الصعوبة الكبيرة التي واجهها مع العديد من البلدان في تفسير استقلالية القاضي".
ماكرون يخطئ في ما يتعلق بإفريقيا
أدلى الرئيس ماكرون بتصريحات مفاجئة حول العلاقة بين فرنسا والجزائر وبقية القارة. واعتبر التهدئة "حيوية بالنسبة لفرنسا، وللعلاقات الثنائية، وللعلاقة مع القارة الأفريقية". وأوضح: "القدرة على التعامل مع هذا التاريخ في إطار علاقة فرنسية جزائرية صحية هي إمكانية إقامة علاقة ثنائية طبيعية ومثمرة مع القارة الأفريقية".
ماكرون مخطئ بشأن العلاقة التي تقيمها الجزائر مع أفريقيا. وإذا كان يعتقد أنه من خلال حل إشكالية الإرث التاريخي -وهو حل مستحيل طالما أن الجيش هو صاحب السلطة في الجزائر- فإنه سيقلل من العداء لفرنسا في إفريقيا، فإن الرئيس الفرنسي يظهر نقصا في المعرفة بالقارة الأفريقية التي لا ترتبط حقائقها وتطلعاتها وتاريخها وحتى مصيرها المشترك بأي حال من الأحوال بالجزائر. تقود هذه التصريحات المحفوفة بالمخاطر المرء إلى الاعتقاد بأن مشاعر العداء لفرنسا في إفريقيا ترجع أيضا إلى تقييم تقريبي لواقع القارة من قبل إيمانويل ماكرون.