إن الزيادة القياسية في ميزانية التسلح (23 مليار دولار) التي قررتها الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر خلال العام المقبل، أسالت لعاب الكثيرين. من بينهم الشركات الفرنسية الكبرى المتخصصة في صناعة الأسلحة.
وهكذا، تستعد "سافران"، مجموعة "تاليس"، "إم بي دي إي"، لتقديم كتالوغاتهم للمسؤولين في الجيش الوطني الشعبي، بحسب ما أكدته أفريكا أنتيليجونس (Africa Intelligence). وكتب الموقع أن "معرضا لمصنعي الأسلحة الفرنسيين سينظم في الجزائر العاصمة في نهاية دجنبر". فبالإضافة إلى الشركات الكبرى الفرنسية والأوروبية المذكورين أعلاه، "ستشارك أيضا الشركات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة في مجال المراقبة الجوية".
يتعلق الأمر، في حالة إبرام صفقات محتملة، ليس بالمعدات "الكلاسيكية"، ولكن المعدات المتطورة. وتشمل، من بين أمور أخرى، معدات الرؤية البصرية والليلية، والأقمار الصناعية للمراقبة، والرادارات البحرية وأنظمة المدفعية، وغيرها من المعدات المتطورة الذي يفتقر إليها الجيش الجزائري حاليا.
خاصة بعدما أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية "محدودية عدد من المعدات العسكرية الروسية السوفيتية. تسعى الجزائر، التي تتزود بالأسلحة بشكل شبه حصري من روسيا، إلى تنويع مصادر توريد الأسلحة أو تحديث المعدات الموجودة في حوزتها"، بحسب رأي عبد الحق باسو، الخبير في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد والمتخصص في شؤون الأمن والدفاع.
من خلال التوجه إلى فرنسا، يحاول النظام الجزائري أيضا تبديد المخاوف الغربية بخصوص الحضور القوي لروسيا في منظومة الجزائرية العسكرية وتحذيرات الولايات المتحدة بشأن الأموال التي تقدمها الطغمة العسكرية لروسيا وهو ما يعد دعا للمجهود الروسي في حربها في أوكرانيا. وحلل باسو قائلا: "يمكن تفسير هذه الزيادة في الميزانية برغبة السلطات الجزائرية في تهدئة الغرب من خلال شراء أسلحته. وهي طريقة لإرضاء الجميع".
وهكذا ستستغل الصناعة الفرنسية هذا الانفتاح من خلال المراهنة على تحسن العلاقات بين باريس والجزائر، بعد زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للجزائر في غشت الماضي، وكذا إرادة النظام الجزائري لتجنب غضب بعض القوى الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة، التي حذر فيها أعضاء مجلس الشيوخ البيت الأبيض بشأن استمرار التسليح الروسي للجزائر.
ويذكر أنه في 9 شتنبر الماضي أدان 27 من أعضاء الكونجرس الأمريكي، من الديمقراطيين والجمهوريين، التواطؤ المفضوح للجزائر مع نظام فلاديمير بوتين، الذي يعد اليوم العدو الأول للغرب بشكل عام، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، بسبب الحرب التي شنتها على أوكرانيا. وفي رسالة إلى وزير الخارجية أنطوني بلينكين، طالبوا بفرض عقوبات على النظام الجزائري المتهم بأنه تابع لروسيا.
وتعد الشركات الفرنسية الكبرى بالاستجابة لطلبات العروض الصادرة عن الجيش الوطني الشعبي وتقديم الدعم الصناعي ونقل التكنولوجيا إلى الجزائر. لكن القول أسهل من الفعل، كما يقول الخبراء. وأكد لنا محمد لوليشكي، الخبير في الشأن الديبلوماسي وحل النزاعات قائلا: "نعلم جميعا أنه عندما يكون بلد ما زبونا تقليديا لبلد معين فيما يخص التسلح، فإنه يصبح مشروطًا. التسلح ترافقه تقنية محددة وتكوين دقيق وإمكانية التشغيل البيني. لذلك من الصعب تغيير المزود بين عشية وضحاها، ولا يمكنك القيام بذلك إلا بشكل تدريجي".
ولكن يتعين معرفة ما إذا كانت مصلحة النظام الجزائري في التعامل مع التسلح الفرنسي هو تحول في رؤيتها بسبب محدودية الأسلحة الروسية في أوكرانيا، أو إذا كان الأمر يتعلق فقط بمناورة لغرض وحيد هو تجنب العقوبات الغربية.