وتقدم الخطب تقييما للسياسات العمومية المتبعة من طرف الحكومة، وهي بمثابة خارطة طريق لمسار الإصلاحات الكبرى. إنها ذات رؤية نسقية لما يريد عاهل البلاد أن يصل إليه بلدنا المغرب، وهي خطابات ملهمة تشجع على الفعل والقدرة على التخطيط والإبداع.
في هذا الإطار، يأتي خطاب عاهل البلاد بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، حيث تطرق إلى إشكالية تدبير الموارد المائية معلنا أن المغرب يمر بأزمة جفاف حادة لم يعرفها منذ عقود، مشددا على أن المغرب يعيش إجهادا مائيا مهيكلا، ولا ينبغي أن تكون هذه الظروف مطية للمزايدات السياسية أو تأجيج النعرات الاجتماعية.
نعم إنه خطاب الصراحة والوضوح حيث يدعونا إلى ضرورة التخطيط لإدارة الأزمة المائية في إطار جهد منظم يهدف إلى الوصول إلى قرارات أساسية مع ضرورة التركيز على المستقبل درءً للمخاطر والأزمات، مشيرا إلى أن ندرة الماء والجفاف هي ظاهرة كونية تزداد حدة بسبب الظروف المناخية، وشدد ملك البلاد على أن سياسة الماء ليست مجرد سياسة قطاعية، وإنما هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات، وهو ما يقتضي التحيين المستمر للاستراتيجيات القطاعية وتطويرها المستقبلي، مشددا على ضرورة التركيز على بعض التوجهات الرئيسية مثل إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا، واستثمار التكنولوجيا الحديثة في مجال اقتصاد الماء، مؤكدا أن "الحالة الراهنة للموارد المائية تسائلنا جميعا، حكومة ومؤسسات ومواطنين، ويقتضي التحلي بالصراحة والمسؤولية لمعالجة نقاط الضعف التي تعاني منها".
إن العاهل المغربي يؤكد على ضرورة حكامة مائية تستجيب بشكل مستدام للحاجيات المتزايدة للساكنة من جهة ولمتطلبات القطاعات الإنتاجية وأن تكون هناك سياسة للتخطيط على المدى البعيد من أجل تدبير استباقي لندرة المياه وذلك عن طريق نهج سياسة دينامية لتزويد المغرب ببنية تحتية مائية مهمة وتحسين الولوج إلى الماء الصالح للشرب وتلبية حاجيات الصناعة والسياحة وتطوير السقي على نطاق واسع، والتحكم في الموارد المائية عن طريق تعبئتها وذلك من خلال إنشاء منشآت كبرى لتخزين المياه ونقلها من مناطق الوفرة إلى أماكن الاستعمال وتطوير الكفاءات التقنية والبحث العلمي، وإرساء قواعد التدبير المندمج والتشاركي واللامركزي للموارد المائية عن طريق إحداث وكالات الأحواض المائية ووضع الآليات لحماية الموارد المائية والمحافظة عليها، عبر مخطط وطني للماء يهدف للمحافظة على جودة الموارد المائية ومحاربة التلوث والمحافظة على المياه الجوفية والتأقلم مع المتغيرات المناخية والقيام بإجراءات تخص الحماية من الفيضانات والتخفيف من آثار الجفاف.
إن توالي سنوات الجفاف أملى صياغة برنامج وطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، والخطاب الملكي اليوم يدعونا إلى ضرورة التخطيط بروح وطنية عالية من أجل إدارة أزمة المياه في إطار جهد منظم يهدف إلى الوصول إلى قرارات أساسية مع التركيز على المستقبل درءً للمخاطر والأزمات.
إن إدارة الأزمة تتطلب تخطيطا استراتيجيا ينطلق من تحديد الأهداف الرئيسية ووضع البدائل والاحتمالات المختلفة وتحديد مسارها المستقبلي من خلال التنبؤ والاختيار الاستراتيجي للفرص الموجودة، وهذا مايطلق عليه "الاستراتيجية الوقائية".
إن عملية التخطيط الاستراتيجي عملية مستمرة وليست لحظية أو مؤقتة أو ذات طابع سياسوي، إنها عمل مؤسساتي يخضع للتقييم المستمر تفاديا لأي مشاكل محتملة، مع العلم أن التخطيط الاستراتيجي يعتمد على عمل جماعي يضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار.