للمرة الثانية منذ بداية شتنبر، قام رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة بتنصيب مدير في جهاز المخابرات الجزائرية. بعد الجنرال دجبار مهنا، الذي أصبح رئيسا لمديرية التوثيق والأمن الخارجي يوم ثالث شتبنر، جاء دور الجنرال المتقاعد عبد العزيز نويوات شويطر ليصبح، منذ الأحد الماضي، رئيسا جديدا للمديرية المركزية لأمن الجيش، خلفا للجنرال سيد علي ولد زميرلي.
الجنرال عبد العزيز نويوات شويطر شخصية غير معروفة. تقاعد منذ عشر سنوات، وكان قد أشرف، خلال سنوات التسعينيات، على إدارة المدرسة العليا للاستعلام والأمن ببني مسوس في الجزائر العاصمة. ويقال أيضا إنه كان أحد الجنرالات القلائل الذين بقوا بعيدين عن الصراعات التي قسمت قيادة الجيش.
لكن تعيينه يوم الأحد الماضي كرئيس جديد للمخابرات العسكرية يثير العديد من التساؤلات، خاصة وأن سيد علي ولد زميرلي شغل منصب مدير المديرية المركزية لأمن الجيش لمدة عامين ونصف وكان يبدو أنه سيبقى لمدة طويلة في هذا المنصب، منذ أن تمت ترقيته إلى رتبة لواء يوم 4 يوليوز الماضي، وفي نفس اليوم الذي تمت ترقية شنقريحة إلى رتبة فريق أول. بالإضافة إلى ذلك، تميز سيد علي ولد زميرلي برعايته لذرية سعيد شنقريحة.
عندما راكم النقيب شفيق شنقريحة، نجل رئيس الأركان، مزايا غير مستحقة وطالبت أصوات بجلسة للاستماع إليه أمام محكمة عسكرية، ضاعف ولد زميرلي مجهوداته لحمايته من الاحتجاجات. فقد نصح ولد زميرلي شفيق شنقريحة بتغيير رقم هاتفه لتجنب كل الرسائل المجهولة التي تنضح بالكراهية الصادر عن أعضاء "جماعة قايد صالح".
إلا أنه في غضون ذلك، تم إلقاء القبض على كبار الضباط في المديرية المركزية لأمن الجيش، بما في ذلك شقيق سيد علي، الكولونيل المتقاعد عمر ولد زميرلي، ووجهت إليهم تهمة الخيانة والتآمر ضد السلطات العليا للدولة، المدنية والعسكرية. هل الجنرال سيد علي كان ضحية أم شريك في هذه المؤامرة المزعومة؟
ما هو مؤكد هو أن عدم الاستقرار المزمن والتعيينات اللانهائية بمختلف أجهزة المخابرات الجزائرية، والتي تعكس صراعات من أجل الاستيلاء على السلطة بين جنرالات الجيش الجزائري، اتخذت منعطفا جديدا.
حتى الآن، كان هذا الصراع القوي، ونكتفي فقط هنا بذكر الصراع الدائر منذ عام 2013 بين الجنرال قايد صالح، رئيس أركان الجيش السابق (2004-2019)، والجنرال محمد مدين المعروف باسم توفيق، المدير القوي السابق لمديرية الاستعلام والأمن والذي من خلالها أصبح يطلق عليه لقب "إله الجزائر" من عام 1990 إلى عام 2015، قد قلب الجيش الجزائري رأسا على عقب.
ونتذكر أنه تم حل مديرية الاستعلام والأمن من قبل قايد صالح وجميع أتباع توفيق طردوا أو سجنوا أو فروا إلى إسبانيا على غرار ما فعل الجنرال المتقاعد خالد نزار، الذي صدرت في حقه مذكرة اعتقال دولية وحكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما من قبل العدالة الجزائرية عام 2019.
في اليوم التالي لوفاة قايد صالح، أي يوم 23 دجنبر 2019، أطلق الجنرال توفيق على الفور حملة تطهير مضادة، وعلى الرغم من الحكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما في يوليوز 2019، إلا أنه لم يمض سوى أسابيع قليلة في سجن البليدة العسكري. خلال هذه الأسابيع، عانى من أسوأ إذلال لدرجة أن أبنائه نشروا رسالة موجهة إلى الرأي العام يعبرون فيها عن قلقهم من حالته الصحية التي "ساءت منذ سجنه يوم 5 ماي 2019 إثر سقوطه في اليوم العاشر من سجنه في سجن البليدة، مما تسبب له في كسر معقد في الكتف الأيمن".
بعد أسابيع قليلة، بعث أبناء توفيق الثلاثة التماسا للمطالبة بالإفراج عن والدهم. في هذه الالتماس، وصف الجنرال توفيق، رئيس جميع أجهزة المخابرات في الجزائر، بأنه "معتقل سياسي ومعتقل رأي". إنه بلا شك أول رئيس مخابرات في العالم يوصف بأنه "معتقل سياسي ومعتقل رأي". في هذه الالتماس، عبر نجل الجنرال توفيق، سيد علي وابنتيه نصيلة وصابرينا، عن حزنهم لما آل إليه مصير والدهم. وهي إساءة لا يمكن محوها وهو ما يفسر الثأر اللامتناهي الذي شرع فيه توفيق بعد عودته بقوة إلى الواجهة.
وبالتالي، فإن الثنائي خالد نزار- توفيق سيتخذ إجراءات صارمة مرة أخرى، خاصة اعتبارا من أبريل 2020، لإرسال عشرات الجنرالات وكبار الضباط الآخرين المقربين من قايد صالح إلى السجن. هناك ثلاثة رؤساء مخابرات سابقين، مثل كمال الدين رميلي (مدير الأمن الخارجي)، وواسيني بوعزة (مدير الأمن الداخلي) ومحمد بوزيت يوسف (مدير الأمن الخارجي)، ولكن هناك أيضا الجنرال عبد الحميد غريس، الأمين العام السابق لوزارة الدفاع، والحنرال عبد القادر لشخم، المدير المركزي السابق للاتصالات بوزارة الدفاع والعديد من معاونيهم السابقين...يجب أن نذكر أيضا حالة الجنرال محمد قايدي، الرئيس السابق لمديرية الاستعمال والتحضير والرقم الثاني السابق لرئيس أركان الجيش الجزائري، والذي سجن في نونبر 2021 لفترة زمنية قصيرة، قبل أن يوضع قيد الإقامة الجبرية.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه حتى الأيدي التي ساهمت في عملية الثأر التي قادها الثنائي توفيق-نزار طالتها هي الأخرى عمليات التطهير. وفي هذا الصدد، منع الجنرالان نور الدين مقري وعبد الغني راشدي، اللذان ساهما في تنفيذ حملة التطهير ضد رجال قايد صالح، من مغادرة التراب الجزائري بعد إقالتهما مؤخرا، ولم يدخلا السجن، على ما يبدو، فقط بسبب أمراضهما المزمنة.
ربما الجنرال عبد العزيز نويوات شويطر، الرئيس الجديد للمديرية المركزية لأمن الجيش، يقول في قرارة نفسه أن أقصر طريق يؤدي إليه منصبه هو سجن البليدة. الخوف يستبد به ويشله مثلما يستبد ويشل الجيش الجزائري برمته.