إن أوهام العظمة واتخاذ قرارات متهورة وسريعة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى الإذلال. فكل محاولات النظام الجزائري لفرض عقوبات تجارية على إسبانيا باءت بالفشل الذريع.
فمنذ الإعلان، يوم 18 مارس، عن قرار مدريد التاريخي الذي يعترف بأن حل النزاع حول الصحراء يكمن فقط في مخطط الحكم الذاتي المغربي، أصيب النظام الجزائري بحالة هستيرية. كانت محاولاته العديدة لجعل إسبانيا تعيد النظر في قرارها السيادي مجرد محاولات عبثية ولم تعمل إلا تعزيز موقف إسبانيا الجديد (الحكومة والبرلمان) بشأن مغربية الصحراء.
سواء تعلق الأمر بالابتزاز باستعمال ورقة الغاز أو استدعاء السفير الجزائري المعتمد في مدريد أو تعليق معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار الجزائرية-الإسبانية الموقعة في عام 2002 أو منع، في نفس اليوم، عمليات التوطين البنكي المتعلقة بالواردات والصادرات من وإلى إسبانيا، لم تؤثر كل هذه الإجراءات في صانعي القرار الإسبان، الأقوياء بدعم الاتحاد الأوروبي وبالطبيعة السيادية والشرعية لتوجهات سياساتهم الخارجية.
وهكذا، أصبح من الواضح الآن أن النظام الجزائري هو نفسه الذي أعطى الأمر، يوم 8 يونيو، للجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية الجزائرية بتعليق عمليات التوطين البنكي المتعلقة بالمبادلات التجارية مع إسبانيا.
ولكن بعد التحذير الشديد والفوري من الاتحاد الأوروبي يوم 10 يونيو، ومن أجل الخروج من المستنقع الذي وقع فيه من تلقاء نفسه، أصدر النظام الجزائري تعليمات لسفيره في بروكسل لنفي أي عقوبات تجارية من جانبه ضد إسبانيا. كما أكد بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية الجزائرية، في 12 يونيو 2022، هذا التراجع المهين للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي أعلن قطع العلاقات مع إسبانيا.
الشيء الأكثر إثارة للدهشة هو أنه قبل أسبوع فقط، أي يوم 23 يوليوز 2022 على وجه الدقة، أصدرت الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية الجزائرية مذكرة جديدة تقترح فيها، على الأقل من خلال قراءة عنوانها، أنه كان هناك منذ 8 يونيو "إجراءات لتجميد التوطين البنكي للعمليات التجارية الخارجية للسلع والخدمات من وإلى إسبانيا".
ولكن هذا التجميد ليس له أثر رجعي ولا يتعلق بالعمليات التجارية التي "تمت إجراءات توطينها قبل تاريخ 9 يونيو 2022" و لا "عمليات الاستيراد والتصدير السلع والخدمات من اسبانيا أو كانت ذات منشأ إسباني التي تمت إجراءات توطينها قبل تاريخ 9 يونيو الماضي".
بعد أقل من خمسة أيام من إعطاء الانطباع بتقديم تنازلات لإسبانيا، وبدون تقديم أدنى تفسير، نشرت نفس الجمعية مذكرة جديدة تخبر فيها هذه المرة البنوك الجزائرية بالإلغاء التام لجميع الإجراءات التي تمنع المبادلات التجارية مع إسبانيا.
وهكذا، في مذكرتها المقتضبة يوم الخميس 28 يوليوز، أوردت الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية الجزائرية أنه بعد تقييم التعليمات (...) وبالتشاور مع وكلاء التجارة الخارجية المعنيين، لم تعد التدابير الاحترازية المذكورة ضرورية".
بعد شهر واحد و20 يوما فقط من القرار الحقيقي-الخاطئ بتجميد المبادلات التجارية (باستثناء الغاز الطبيعي) مع إسبانيا، يتراجع النظام الجزائري ويبحث عن مخرج لتطبيع العلاقات مع إسبانيا، دون أن تتخلى هذه الأخير ولو ذرة واحدة عن موقفها التاريخي فيما يتعلق الصحراء المغربية.
يذكرنا هذا التراجع المهين بالأزمة مع فرنسا في أكتوبر 2021، عندما استدعت الجزائر سفيرها في باريس وأغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، عقب
تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كشف فيها حقائق عن الجزائر وقدم بصدق الصورة الباهتة التي يحاول النظام الجزائري تسويقها لبقية بلدان العالم. "تمت إعادة كتابة التاريخ الرسمي للجزائر بالكامل"، "هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟"، "النظام الجزائري متعب، والحراك أنهكه"، "النظام السياسي العسكري الذي بني على هذا الريع من الذاكرة"، هكذا قاله الرئيس الفرنسي في حق النظام الجزائري.
لم يتراجع إيمانويل ماكرون أبدا عن تصريحاته حول "النظام السياسي العسكري" الجزائري ولم يعبر على الأقل عن أسفه أو لم يقدم اعتذارا. وبعد التصريحات الانفعالية التي ألمحت إلى أن الأزمة ستكون مفتوحة مع فرنسا، أعاد النظام الجزائري سفيره إلى منصبه في باريس، في البداية بشكل سري للغاية ثم رسميا، قبل أن يتعرض رمطان لعمامرة نفسه للسخرية أمام أنظار العالم بعد العناق المهين مع الرئيس الفرنسي يوم 17 فبراير 2022، خلال قمة الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في بروكسل.
أزمة وأعمال الانتقام وتهديدات ثم العودة إلى الحالة الطبيعية دون الحصول على أي شيء في المقابل. هذا هو أسلوب عمل النظام الذي يدخل في أزمات ليس في مقدورها مواجهتا وتحملها.